وَرُوِيَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةٍ خَشِيَتْ أَنْ يُطْلِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: لَا تُطَلِّقْنِي، وَأَمْسِكْنِي، وَاجْعَلْ يَوْمِيِ لِعَائِشَةَ. فَفَعَلَ؛ فَنَزَلَتْ[1]: {فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا [2] بَيْنَهُمَا صُلْحًا} الْآيَةَ [النِّسَاءِ: 128] ؛ فَكَانَ هَذَا تَأْدِيبًا وَبَيَانًا بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ لِأَمْرٍ[3] رُبَّمَا اسْتُقْبِحَ بِمَجْرَى الْعَادَةِ؛ حَتَّى يَصِيرَ كَالْمَكْرُوهِ، وَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ.
وَالْأَدِلَّةُ عَلَى هَذَا الْفَصْلِ نَحْوٌ مِنَ الأدلة على استقرار المندوبات. [1] أخرجه الترمذي في "الجامع" "أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة النساء، 5/ 249/ رقم 3040" عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس به بهذا اللفظ، وقال: "هذا حديث حسن غريب".
قلت: إسناده ضعيف؛ لأن رواية سماك عن عكرمة خاصة مضطربة؛ كما في "التهذيب" "4/ 204-205".
وله شاهد في "صحيح البخاري" "كتاب التفسير، باب {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا ... } ، 8/ 265/ رقم 4601، وكتاب النكاح، باب {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا ... } ، 9/ 304/ رقم 5206، وباب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها، 9/ 312/ 5212", ومسلم في "صحيحه" "كتاب الرضاع, باب جواز هبتها نوبتها لضرتها, 2/ 1085/ رقم 1463" عن عائشة -رضي الله عنها- بدون ذكر نزول الآية. [2] قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو: "يصَّالحا" بفتح الياء والتشديد، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: {يُصْلِحَا} بضم الياء والتخفيف، قاله ابن مجاهد في "السبعة" "238". [3] هو النزول عن حق المرأة في القسم لزوجة أخرى؛ فبين بهذا جوازه ولو لم يحصل هذا البيان لفهم من ترك هذا المباح جريًا على العادة كراهته شرعًا. "د".