وَنَهَى[1] عَنِ التَّبَتُّلِ[2] مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [الْمُزَّمِّلِ: 8] .
وَنَهَى عَنِ الْوِصَالِ[3]، وَقَالَ: "خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ" [4] مَعَ أَنَّ الِاسْتِكْثَارَ مِنَ الْحَسَنَاتِ خَيْرٌ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ وَإِقْرَارِهِ مِمَّا خِلَافُهُ مَطْلُوبٌ، وَلَكِنْ تَرَكَهُ وَبَيَّنَهُ خَوْفًا أَنْ يَصِيرَ مِنْ قَبِيلٍ آخَرَ فِي الِاعْتِقَادِ.
وَمَسْلَكٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ[5]، قَالَتْ عَائِشَةُ: "وَمَا سَبَّحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ، وإني لأسبحها"[6]. [1] كما ورد في حديث سعد بن أبي وقاص، وفيه أنه رده على عثمان بن مظعون وهو في "الصحيحين" وغيرهما، ومضى تخريجه "2/ 228". [2] وهو الانقطاع الصرف عن شئون هذه الحياة كرهبانية النصارى، أما التبتل في الآية، فبمعنى الإخلاص في العبادة أو نحوه، والمقام مستوفى في كتاب "الاعتصام" "1/ 436, ط ابن عفان"، وهذا وما بعده لم يتبين فيه معنى الذريعة إلى اعتقاد الوجوب، ولذلك قال: "مع أن الاستكثار من الحسنات خير"، وقال -صلى الله عليه وسلم- في رد التبتل لعثمان بن مظعون ومن معه: "فمن رغب عن سنتي؛ فليس مني"، ويؤخذ منه أنه ليس بمشروع، فضلًا عن كونه مندوبًا يخشى من الاستدامة عليه اعتقاد الوجوب، كما هو أصل الموضوع، فقوله: "مما خلافه مطلوب" لا يظهر في التبتل ولا يظهر في الوصال أيضًا. "د". [3] كما في "صحيح البخاري" "كتاب الصوم، باب الوصال، 4/ 202/ رقم 1964"، وانظر ما مضى "2/ 239". [4] أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الصوم، باب صوم شعبان، 4/ 213/ رقم 1969"، ومسلم في "الصحيح" "كتاب الصيام، باب صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- في غير رمضان، 2/ 811/ رقم 782" عن عائشة, رضي الله عنها. [5] مضى تخريجه "3/ 260". [6] مضى تخريجه "3/ 260"، وهو في "الصحيحين".
وقد ثبت في "الصحيح" أن معاذة سألت عائشة: "كم كان يصلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الضحى؟ قالت: أربع ركعات، ويزيد ما شاء الله". وجمع الحديث مع سابقه أن ذلك العلم من طريق غير الرؤية. "د".