أَحْكَامَ اللَّهِ لَيْسَتْ مُعَلَّلَةً بِعِلَّةٍ أَلْبَتَّةَ، كَمَا أَنَّ أَفْعَالَهُ كَذَلِكَ، وَأَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ اتَّفَقَتْ عَلَى أَنَّ أَحْكَامَهُ تَعَالَى مُعَلَّلَةً بِرِعَايَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَأَنَّهُ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ[1]، وَلَمَّا اضْطُرَّ[2] فِي عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ إِلَى إِثْبَاتِ الْعِلَلِ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، أُثْبِتَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعِلَلَ بمعنى العلامات المعرفة للأحكام خاصة،
= وانظر في الفرق بينهما: "التحرير والتنوير" "1/ 379- 381" لابن عاشور، و"ضوابط المصلحة" "96- 97" للبوطي
خامسا:
ما لم يستقم التوفيق المذكور، فنردد مع شيخ الإسلام ابن تيمية قوله في "مجموع الفتاوى" "6/ 55": "أما ابن الخطيب- وهو الرازي، فكثير الاضطراب جدا، لا يستقر على حال، وإنما هو بحث وجدل بمنزلة الذي يطلب ولم يهتد إلى مطلوبه، بخلاف أبي حامد، فإنه كثيرا ما يستقر".
سادسا:
المشهور عن الرازي القول بأن الأحكام الشرعية معللة، نقل ابن القيم في "إعلام الموقعين" "2/ 75" عنه، قال: "غالب أحكام الشريعة معللة برعاية المصالح المعلومة، والخصم إنما بين خلاف ذلك في صور قليلة جدا، وورود الصورة النادرة على خلاف الغالب لا يقدح في حصول الظن". [1] ذهبت عبارات الأصوليين في تعليل الأحكام مذاهب شتى، والتحقيق الذي لم يبق فيه محل للشبهة أن الأحكام قائمة على رعاية مصالح العباد،، وهذه المصالح هي التي يسمونها بالعلل، ولكن تعيين العلة وكيفية مراعاتها إنما يتلقى من الشارع نصا أو تلويحا، ولا مانع من أن تكون أحكام الله معللة بالغايات المحمودة، إذ الغاية التي تشعر بالحاجة إنما هي الغاية العائدة إلى تكميل الحاكم، أما ما يقصد بها تكميل غيره، فرعايتها ضرب من الكرم، ومظهر من مظاهر الحكمة البالغة "خ".
قلت: انظر في المسألة "شرح الكوكب المنير" "1/ 312، "والتوضيح في حل غوامض التنقيح" "2/ 63"، و"شفاء الغليل" "ص 103"، و"نبراس العقول" "323- 328"، و"جمع الجوامع" "2/ 233"، و"الإبهاج" "3/ 41"، و"إيثار الحق على الخلق" "ص 181 وما بعدها"، و"نفائس الأصول" "9/ 3995"، و"تعليل الأحكام" لمحمد مصطفى شلبي، ففيه بحث واف عن هذا الموضوع. [2] أي: ليتأتى له القول بالقياس وأنه دليل شرعي. "د".