responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 359
فَيُنَاظِرَ لِيُزِيلَ عَنْهُمْ الْجَهْلَ كَمَا أَزَالَ فِي الْأَوَّلِ مَعْصِيَةَ التُّهْمَةِ.
الثَّالِثِ: أَنْ يُنَبِّهَ الْخَصْمَ عَلَى طَرِيقِهِ فِي الِاجْتِهَادِ حَتَّى إذَا فَسَدَ مَا عِنْدَهُ لَمْ يَتَوَقَّفْ وَلَمْ يَتَخَيَّرْ وَكَانَ طَرِيقُهُ عِنْدَهُ عَتِيدًا يَرْجِعُ إلَيْهِ إذَا فَسَدَ مَا عِنْدَهُ وَتَغَيَّرَ فِيهِ ظَنُّهُ.
الرَّابِعِ: أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ مَذْهَبَهُ أَثْقَلُ وَأَشَدُّ وَهُوَ لِذَلِكَ أَفْضَلُ وَأَجْزَلُ ثَوَابًا فَيَسْعَى فِي اسْتِجْرَارِ الْخَصْمِ مِنْ الْفَاضِلِ إلَى الْأَفْضَلِ وَمِنْ الْحَقِّ إلَى الْأَحَقِّ.
الْخَامِسِ: أَنَّهُ يُفِيدُ الْمُسْتَمِعِينَ مَعْرِفَةَ طُرُقِ الِاجْتِهَادِ وَيُذَلِّلُ لَهُمْ مِلْكَهُ وَيُحَرِّكُ دَوَاعِيَهُمْ إلَى نَيْلِ رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ وَيَهْدِيهِمْ إلَى طَرِيقِهِ فَيَكُونُ كَالْمُعَاوَنَةِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالتَّرْغِيبِ فِي الْقُرُبَاتِ.
السَّادِسِ، وَهُوَ الْأَهَمُّ: وَهُوَ أَنْ يَسْتَفِيدَ هُوَ وَخَصْمُهُ تَذْلِيلَ طُرُقِ النَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ حَتَّى يَتَرَقَّى فِي الظَّنِّيَّاتِ إلَى مَا أُلْحِقَ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْ الْأُصُولِ، فَيَحْصُلُ بِالْمُنَاظَرَةِ نَوْعٌ مِنْ الِارْتِيَاضِ وَتَشْحِيذِ الْخَاطِرِ وَتَقْوِيَةِ الْمِنَّةِ فِي طَلَبِ الْحَقَائِقِ لِيَتَرَقَّى بِهِ إلَى نَظَرٍ هُوَ فَرْضُ عَيْنِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مَنْ يَقُومُ بِهِ أَوْ كَانَ قَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي أَصْلٍ مِنْ الْأُصُولِ أَوْ إلَى مَا هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، إذْ لَا بُدَّ فِي كُلِّ بَلَدٍ مِنْ عَالِمٍ مَلِيٍّ يَكْشِفُ مُعْضِلَاتِ أُصُولِ الدِّينِ وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ مُتَعَيِّنٌ إنْ لَمْ يَكُنْ إلَيْهِ طَرِيقٌ سِوَاهُ، وَإِنْ كَانَ إلَيْهِ طَرِيقٌ سِوَاهُ فَيَكُونُ هُوَ إحْدَى خِصَالِ الْوَاجِبِ، فَهَذَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يَلْتَحِقُ بِالْمُنَاظَرَةِ الْوَاجِبَةِ.
فَهَذِهِ فَوَائِدُ مُنَاظَرَاتِ الْمُحَصِّلِينَ دُونَ الضُّعَفَاءِ الْمُغْتَرِّينَ حِينَ يَطْلُبُونَ مِنْ الْخَصْمِ الِانْتِقَالَ وَيُفْتُونَ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى خَصْمِهِمْ الْعَمَلُ بِمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَأَنَّهُ لَوْ وَافَقَهُ عَلَى خِلَافِ اجْتِهَادِ نَفْسِهِ عَصَى وَأَثِمَ وَهَلْ فِي عَالَمِ اللَّهِ تَنَاقُضٌ أَظْهَرُ مِنْهُ. فَهَذِهِ شُبَهُهُمْ الْعَقْلِيَّةُ، أَمَّا الشُّبَهُ النَّقْلِيَّةُ فَخَمْسٌ الْأُولَى: تَمَسُّكُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78] {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ سُلَيْمَانَ بِمُدْرَكِ الْحَقِّ وَأَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ. الْجَوَابُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلِ: أَنَّهُ مِنْ أَيْنَ صَحَّ أَنَّهُمَا بِالِاجْتِهَادِ حَكَمَا وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ مَنَعَ اجْتِهَادَ الْأَنْبِيَاءِ عَقْلًا وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ سَمْعًا وَمَنْ أَجَازَ أَحَالَ الْخَطَأَ عَلَيْهِمْ؟ فَكَيْفَ يُنْسَبُ الْخَطَأُ إلَى دَاوُد؟ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَالَ مَا قَالَ عَنْ اجْتِهَادٍ؟ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الثَّانِي: أَنَّ الْآيَةَ أَدَلُّ عَلَى نَقِيضِ مَذْهَبِهِمْ إذْ قَالَ: {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79] وَالْبَاطِلُ وَالْخَطَأُ يَكُونُ ظُلْمًا وَجَهْلًا لَا حُكْمًا وَعِلْمًا، وَمَنْ قَضَى بِخِلَافِ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ وَأَنَّهُ الْحُكْمُ وَالْعِلْمُ الَّذِي آتَاهُ اللَّهُ لَا سِيَّمَا فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ؟} [الأنبياء: 79] قُلْنَا: لَا يَلْزَمُنَا ذِكْرُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَبْطَلْنَا نِسْبَةَ الْخَطَإِ إلَى دَاوُد
الْجَوَابِ الثَّالِثِ: التَّأْوِيلُ، وَهُوَ أَنَّهَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا كَانَا مَأْذُونَيْنِ فِي الْحُكْمِ بِاجْتِهَادِهِمَا فَحَكَمَا وَهُمَا مُحِقَّانِ ثُمَّ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى وَفْقِ اجْتِهَادِ سُلَيْمَانَ فَصَارَ ذَلِكَ حَقًّا مُتَعَيِّنًا بِنُزُولِ الْوَحْيِ عَلَى سُلَيْمَانَ بِخِلَافِهِ، لَكِنْ لِنُزُولِهِ عَلَى سُلَيْمَانَ أُضِيفَ إلَيْهِ وَيَتَعَيَّنُ تَنْزِيلُ ذَلِكَ عَلَى الْوَحْيِ، إذْ نَقَلَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ سُلَيْمَانَ حَكَمَ بِأَنَّهُ يُسَلِّمُ الْمَاشِيَةَ إلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِدَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَصُوفِهَا حَوْلًا كَامِلًا؛ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ حَقًّا وَعَدْلًا إذَا عُلِمَ أَنَّ الْحَاصِلَ مِنْهُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ يُسَاوِي مَا فَاتَ عَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ، وَذَلِكَ يُدْرِكُهُ عَلَّامُ الْغُيُوبِ وَلَا يُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ.

نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 359
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست