responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 305
الْعَقْلِيَّةِ أَمَّا أَصْلُ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ وَإِثْبَاتُ عَيْنِ الْعِلَّةِ وَوَصْفُهَا فَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ عَلَامَةٌ وَأَمَارَةٌ لَا تُوجِبُ الْحُكْمَ بِذَاتِهَا، إنَّمَا مَعْنَى كَوْنِهَا عِلَّةً نَصْبُ الشَّرْعِ إيَّاهَا عَلَامَةً، وَذَلِكَ وَضْعٌ مِنْ الشَّارِعِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وَضْعِ الْحُكْمِ وَبَيْنَ وَضْعِ الْعَلَامَةِ وَنَصْبِهَا أَمَارَةً عَلَى الْحُكْمِ، فَالشِّدَّةُ الَّتِي جُعِلَتْ أَمَارَةَ التَّحْرِيمِ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَهَا الشَّرْعُ أَمَارَةَ الْحِلِّ فَلَيْسَ إيجَابُهَا لِذَاتِهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِ الشَّارِعِ «اُرْجُمُوا مَاعِزًا» وَبَيْنَ قَوْلِهِ «جَعَلْتُ الزِّنَا عَلَامَةَ إيجَابِ الرَّجْمِ» فَإِنْ قِيلَ: فَالْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ إلَّا تَوْقِيفًا وَنَصًّا فَلْتَكُنْ الْعِلَّةُ كَذَلِكَ. قُلْنَا: لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ إلَّا تَوْقِيفًا، لَكِنْ لَيْسَ طَرِيقُ مَعْرِفَةِ التَّوْقِيفِ فِي الْأَحْكَامِ مُجَرَّدَ النَّصِّ بَلْ النَّصَّ، وَالْعُمُومَ وَالْفَحْوَى وَمَفْهُومَ الْقَوْلِ وَقَرَائِنَ الْأَحْوَالِ وَشَوَاهِدَ الْأُصُولِ وَأَنْوَاعَ الْأَدِلَّةِ، فَكَذَلِكَ إثْبَاتُ الْعِلَّةِ تَتَّسِعُ طُرُقُهُ وَلَا يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى النَّصِّ.

الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ إلْحَاقَ الْمَسْكُوتِ بِالْمَنْطُوقِ يَنْقَسِمُ إلَى مَقْطُوعٍ وَمَظْنُونٍ، وَالْمَقْطُوعُ بِهِ عَلَى مَرْتَبَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَنْطُوقِ بِهِ كَقَوْلِهِ: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] فَإِنَّهُ أَفْهَمَ تَحْرِيمَ الضَّرْبِ وَالشَّتْمِ، وَكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ» فَإِنَّهُ أَفْهَمَ تَحْرِيمَ الْغُلُولِ فِي الْغَنِيمَةِ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَكَنَهْيِهِ عَنْ الضَّحِيَّةِ بِالْعَوْرَاءِ وَالْعَرْجَاءِ، فَإِنَّهُ أَفْهَمَ الْمَنْعَ مِنْ الْعَمْيَاءِ وَمَقْطُوعَةِ الرِّجْلَيْنِ، وَكَقَوْلِهِ: «الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنَانِ اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ» فَإِنَّ الْجُنُونَ وَالْإِغْمَاءَ وَالسُّكْرَ وَكُلَّ مَا أَزَالَ الْعَقْلَ أَوْلَى بِهِ مِنْ النَّوْمِ
وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي تَسْمِيَةِ هَذَا قِيَاسًا وَتَبْعُدُ تَسْمِيَتُهُ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى فِكْرٍ وَاسْتِنْبَاطِ عِلَّةٍ، وَلِأَنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ هَاهُنَا كَأَنَّهُ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَنْطُوقِ بِهِ، وَمَنْ سَمَّاهُ قِيَاسًا اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ مَقْطُوعٌ بِهِ. وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الْأَسَامِي، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِبَارَةٌ عَنْ نَوْعٍ مِنْ الْإِلْحَاقِ يَشْمَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ فَإِنَّمَا مُخَالَفَتُهُ فِي عِبَارَةٍ.
وَهَذَا الْجِنْسُ قَدْ يَلْتَحِقُ بِأَذْيَالِهِ مَا يُشْبِهُهُ مِنْ وَجْهٍ وَلَكِنَّهُ يُفِيدُ الظَّنَّ دُونَ الْعِلْمِ كَقَوْلِهِمْ: " إذَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ فَبِأَنْ تَجِبَ فِي الْعَمْدِ أَوْلَى "؛ لِأَنَّ فِيهِ مَا فِي الْخَطَأِ وَزِيَادَةَ عُدْوَانٍ، وَ " إذَا رُدَّتْ شَهَادَةُ الْفَاسِقِ فَالْكَافِرُ أَوْلَى "؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ فِسْقٌ وَزِيَادَةٌ، " وَإِذَا أُخِذَتْ الْجِزْيَةُ مِنْ الْكِتَابِيِّ فَمِنْ الْوَثَنِيِّ أَوْلَى "؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ مَعَ زِيَادَةِ جَهْلٍ. وَهَذَا يُفِيدُ الظَّنَّ فِي حَقِّ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ بَلْ جِنْسُ الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ " إذَا قُبِلَتْ شَهَادَةُ اثْنَيْنِ فَشَهَادَةُ الثَّلَاثَةِ أَوْلَى " وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ فِيهِ الْأَوَّلَ وَزِيَادَةً
وَالْعَمْيَاءُ عَوْرَاءُ مَرَّتَيْنِ، وَمَقْطُوعُ الرِّجْلَيْنِ أَعْرَجُ مَرَّتَيْنِ، فَأَمَّا الْعَمْدُ فَيُخَالِفُ الْخَطَأَ، فَيَجُوزُ أَنْ لَا تَقْوَى الْكَفَّارَةُ عَلَى مَحْوِهِ بِخِلَافِ الْخَطَأِ، بَلْ جِنْسُ الْأَوَّلِ قَوْلُنَا مَنْ وَاقَعَ أَهْلَهُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ " فَالزَّانِي بِهِ أَوْلَى إذْ وُجِدَ فِي الزِّنَا إفْسَادُ الصَّوْمِ بِالْوَطْءِ وَزِيَادَةٌ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْعَمْدِ الْخَطَأُ وَزِيَادَةٌ، كَذَلِكَ الْوَثَنِيُّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِالْفَرْقِ بَيْن هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَمْ تَنْفِرْ النَّفَسُ عَنْ قَبُولِهِ، وَلَوْ قِيلَ تُجْزِئُ الْعَمْيَاءُ دُونَ الْعَوْرَاءِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ اثْنَيْنِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ ثَلَاثَةٍ، كَانَ ذَلِكَ مِمَّا تَنْفِرُ النَّفْسُ عَنْ قَبُولِهِ؛ وَإِنَّمَا نَفَرَتْ النَّفَسُ عَنْ قَبُولِهِ لِمَا عُلِمَ قَطْعًا مِنْ أَنَّ مَنْعَ الْعَوْرَاءِ لِأَجْلِ نُقْصَانِهَا وَقَبُولَ شَهَادَةِ اثْنَيْنِ لِظُهُورِ صِدْقِ الدَّعْوَى وَتَحْرِيمَ التَّأْفِيفِ لِإِكْرَامِ الْآبَاءِ، فَمَعَ فَهْمِ هَذِهِ الْمَعَانِي يَتَنَاقَصُ الْفَرْقُ وَلَمْ يُفْهَمْ مِثْل ذَلِكَ

نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 305
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست