responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 222
لِلْإِفْسَادِ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَرِيحًا لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ تَصَرُّفًا فِي اللُّغَةِ بِالتَّغْيِيرِ أَوْ كَانَ صِيغَةُ النَّهْيِ مِنْ جِهَتِهِ مَنْصُوبًا عَلَامَةً عَلَى الْفَسَادِ، وَيَجِبُ قَبُولُ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الشَّأْنَ فِي إثْبَاتِ هَذِهِ الْحُجَّةِ، وَنَقْلِهَا، وَشُبَهُهُمْ الشَّرْعِيَّةُ أَرْبَعُ:
الشُّبْهَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُمْ: إنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ قَبِيحٌ، وَمَعْصِيَةٌ فَكَيْفَ يَكُونُ مَشْرُوعًا؟ قُلْنَا: إنْ أَرَدْتُمْ بِالْمَشْرُوعِ كَوْنَهُ مَأْمُورًا بِهِ أَوْ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا فَذَلِكَ مُحَالٌ، وَلَسْنَا نَقُولُ بِهِ، وَإِنْ عَنَيْتُمْ بِهِ كَوْنَهُ مَنْصُوبًا عَلَامَةً لِلْمِلْكِ أَوْ الْحِلِّ أَوْ حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَفِيهِ وَقَعَ النِّزَاعُ، فَلِمَ ادَّعَيْتُمْ اسْتِحَالَتَهُ، وَلَمْ يُسْتَحَلَّ أَنْ يُحَرِّمَ الِاسْتِيلَادَ، وَيَنْصِبَ سَبَبًا لِمِلْكِ الْجَارِيَةِ، وَيُحَرِّمَ الطَّلَاقَ، وَيَنْصِبَ سَبَبًا لِلْفِرَاقِ بَلْ لَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، وَيَنْصِبَ سَبَبًا لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَسُقُوطِ الْفَرْضِ؟
الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُمْ: إنَّ النَّهْيَ لَا يَرِدُ مِنْ الشَّارِعِ فِي الْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ إلَّا لِبَيَانِ خُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ مُمَلَّكًا أَوْ مَشْرُوعًا. قُلْنَا: فِي هَذَا وَقَعَ النِّزَاعُ، فَمَا الدَّلِيلُ عَلَيْهِ؟ وَكَمْ مِنْ بَيْعٍ، وَنِكَاحٍ نَهَى عَنْهُ، وَبَقِيَ سَبَبًا لِلْإِفَادَةِ فَمَا هَذَا التَّحَكُّمُ.
الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ، وَمَنْ أَدْخَلَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» .
قُلْنَا: مَعْنَى قَوْلِهِ: " رَدٌّ " أَيْ: غَيْرُ مَقْبُولٍ طَاعَةً وَقُرْبَةً، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يَقَعُ طَاعَةً أَمَّا أَنْ لَا يَكُونَ سَبَبًا لِلْحُكْمِ فَلَا فَإِنَّ الِاسْتِيلَادَ، وَالطَّلَاقَ، وَذَبْحَ شَاةِ الْغَيْرِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا ثُمَّ لَيْسَ بِرَدٍّ بِهَذَا الْمَعْنَى.
الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُمْ: أَجْمَعَ سَلَفُ الْأُمَّةِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْمَنَاهِي عَلَى الْفَسَادِ، فَفَهِمُوا فَسَادَ الرِّبَا مِنْ قَوْلِهِ: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا} [البقرة: 278] وَاحْتَجَّ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي فَسَادِ نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ بِقَوْلِهِ: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] ، وَفِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ بِالنَّهْيِ.
قُلْنَا: هَذَا يَصِحُّ مِنْ بَعْضِ الْأُمَّةِ أَمَّا مِنْ جَمِيعِ الْأُمَّةِ فَلَا يَصِحُّ، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ الْبَعْضِ، نَعَمْ يُتَمَسَّكُ بِهِ فِي التَّحْرِيمِ، وَالْمَنْعِ أَمَّا فِي الْإِفْسَادِ فَلَا.

مَسْأَلَةٌ: الَّذِينَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ لَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِهَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا؟
فَنَقَلَ أَبُو زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ، وَأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِالنَّهْيِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى انْعِقَادِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ اسْتَحَالَ انْعِقَادُهُ لِمَا نُهِيَ عَنْهُ فَإِنَّ الْمُحَالَ لَا يُنْهَى عَنْهُ كَمَا لَا يُؤْمَرُ بِهِ، فَلَا يُقَالُ لِلْأَعْمَى: " لَا تُبْصِرْ " كَمَا لَا يُقَالُ لَهُ: " أَبْصِرْ " فَزَعَمُوا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الزِّنَا يَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِهِ، وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْأَمْرَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِجْزَاءِ، وَالصِّحَّةِ، فَكَيْفَ يَدُلُّ عَلَيْهِ النَّهْيُ؟ بَلْ الْأَمْرُ، وَالنَّهْيُ يَدُلُّ عَلَى اقْتِضَاءِ الْفِعْلِ وَاقْتِضَاءِ التَّرْكِ فَقَطْ أَوْ عَلَى الْوُجُوبِ، وَالتَّحْرِيمِ فَقَطْ، أَمَّا حُصُولُ الْإِجْزَاءِ، وَالْفَائِدَةِ أَوْ نَفْيُهُمَا فَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ.
وَاللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِهَذِهِ الْقَضَايَا الشَّرْعِيَّةِ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الشَّرْعُ فَلَوْ قَالَ الشَّارِعُ: " إذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ أَمْرٍ أَرَدْتُ بِهِ صِحَّتَهُ لَتَلَقَّيْنَاهُ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ صَرِيحًا لَا بِالتَّوَاتُرِ، وَلَا بِنَقْلِ الْآحَادِ، وَلَيْسَ ضَرُورَةُ الْمَأْمُورِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا مُجْزِئًا، فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ ضَرُورَةِ الْمَنْهِيِّ ذَلِكَ؟ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ شَرْعًا، وَلُغَةً، وَضَرُورَةً بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ فَالْمَصِيرُ إلَيْهِ تَحَكُّمٌ بَلْ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى فَسَادِهِ أَقْرَبُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى صِحَّتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُحَالُ لَا يُنْهَى عَنْهُ لِأَنَّ الْأَمْرَ كَمَا يَقْتَضِي مَأْمُورًا يُمْكِنُ امْتِثَالُهُ فَالنَّهْيُ يَقْتَضِي مَنْهِيًّا

نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 222
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست