responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 187
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْفَنِّ الْأَوَّلِ مِنْ مَقَاصِدِ الْقُطْبِ الثَّالِثِ: فِي الْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ.
اعْلَمْ أَنَّ اللَّفْظَ إمَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ مَعْنَاهُ بِحَيْثُ لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ فَيُسَمَّى مُبَيَّنًا وَنَصًّا، وَإِمَّا أَنْ يَتَرَدَّدَ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ فَيُسَمَّى مُجْمَلًا، وَإِمَّا أَنْ يَظْهَرَ فِي أَحَدِهِمَا وَلَا يَظْهَرَ فِي الثَّانِي فَيُسَمَّى ظَاهِرًا. وَالْمُجْمَلُ هُوَ اللَّفْظُ الصَّالِحُ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ الَّذِي لَا يَتَعَيَّنُ مَعْنَاهُ لَا بِوَضْعِ اللُّغَةِ وَلَا بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ، وَيَنْكَشِفُ ذَلِكَ بِمَسَائِلَ.
مَسْأَلَةٌ: قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] وَ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] لَيْسَ بِمُجْمَلٍ
وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ: هُوَ مُجْمَلٌ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَتَّصِفُ بِالتَّحْرِيمِ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ فِعْلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَلَيْسَ يُدْرَى مَا ذَلِكَ الْفِعْلُ فَيَحْرُمُ مِنْ الْمَيْتَةِ مَسُّهَا أَوْ أَكْلُهَا أَوْ النَّظَرُ إلَيْهَا أَوْ بَيْعُهَا أَوْ الِانْتِفَاعُ بِهَا فَهُوَ مُجْمَلٌ.
وَالْأُمُّ يَحْرُمُ مِنْهَا النَّظَرُ أَوْ الْمُضَاجَعَةُ أَوْ الْوَطْءُ فَلَا يُدْرَى أَيُّهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ فِعْلٍ، وَتِلْكَ الْأَفْعَالُ كَثِيرَةٌ وَلَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ. وَهَذَا فَاسِدٌ، إذْ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ كَالْوَضْعِ، وَلِذَلِكَ قَسَّمْنَا الْأَسْمَاءَ إلَى عُرْفِيَّةٍ وَوَضْعِيَّةٍ وَقَدَّمْنَا بَيَانَهَا، وَمَنْ أَنِسَ بِتَعَارُفِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَاطَّلَعَ عَلَى عُرْفِهِمْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَرِيبُونَ فِي أَنَّ مَنْ قَالَ: حَرَّمْتُ عَلَيْكَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ أَنَّهُ يُرِيدُ الْأَكْلَ دُونَ النَّظَرِ وَالْمَسِّ، وَإِذَا قَالَ: حَرَّمْتُ عَلَيْكَ هَذَا الثَّوْبَ أَنَّهُ يُرِيدُ اللُّبْسَ، وَإِذَا قَالَ: حَرَّمْتُ عَلَيْكَ النِّسَاءَ أَنَّهُ يُرِيدُ الْوِقَاعَ، وَهَذَا صَرِيحٌ عِنْدَهُمْ مَقْطُوعٌ بِهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مُجْمَلًا؟ وَالصَّرِيحُ تَارَةً يَكُونُ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَتَارَةً بِالْوَضْعِ وَكُلُّ ذَلِكَ وَاحِدٌ فِي نَفْيِ الْإِجْمَالِ؟ وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمَحْذُوفِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ: أَهْلَ الْقَرْيَةِ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [المائدة: 1] أَيْ: أَكْلُ الْبَهِيمَةِ، وَ {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] وَهَذَا إنْ أَرَادَ بِهِ إلْحَاقَهُ بِالْمُجْمَلِ فَهُوَ خَطَأٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ حُصُولَ الْفَهْمِ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ مَحْذُوفًا فَهُوَ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ إلْحَاقَهُ بِالْمَجَازِ فَيَلْزَمُهُ تَسْمِيَةُ الْأَسْمَاءِ الْعُرْفِيَّةِ مَجَازًا.

[مَسْأَلَة قَوْلُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ]
ُ» يَقْتَضِي بِالْوَضْعِ نَفْيَ نَفْسِ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَكَلَامُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجِلُّ عَنْ الْخُلْفِ، فَالْمُرَادُ بِهِ رَفْعُ حُكْمِهِ لَا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ الْحُكْمُ الَّذِي عُرِفَ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ إرَادَتُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ فَقَدْ كَانَ يُفْهَمُ قَبْلَ الشَّرْعِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ لِغَيْرِهِ رَفَعْتُ عَنْكَ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ إذْ يُفْهَمُ مِنْهُ رَفْعُ حُكْمِهِ لَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الْمُؤَاخَذَةُ بِالذَّمِّ وَالْعُقُوبَةِ فَكَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصٌّ صَرِيحٌ فِيهِ وَلَيْسَ بِعَامٍّ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ مِنْ الضَّمَانِ وَلُزُومِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ، وَلَا هُوَ مُجْمَلٌ بَيْنَ الْمُؤَاخَذَةِ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الذَّمِّ نَاجِزًا أَوْ إلَى الْعِقَابِ آجِلًا وَبَيْنَ الْغُرْمِ وَالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا صِيغَةَ لِعُمُومِهِ حَتَّى يُجْعَلَ عَامًّا فِي كُلِّ حُكْمٍ كَمَا لَمْ يُجْعَلْ قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] عَامًّا فِي كُلِّ فِعْلٍ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إضْمَارِ فِعْلٍ، فَالْحُكْمُ هَهُنَا لَا بُدَّ مِنْ إضْمَارِهِ لِإِضَافَةِ الرَّفْعِ إلَيْهِ كَالْفِعْلِ، ثُمَّ يُنَزَّلُ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ وَهُوَ الذَّمُّ وَالْعِقَابُ هَهُنَا وَالْوَطْءُ ثَمَّ.
فَإِنْ قِيلَ: فَالضَّمَانُ أَيْضًا عِقَابٌ فَلْيَرْتَفِعْ. قُلْنَا: الضَّمَانُ قَدْ يَجِبُ امْتِحَانًا لِيُثَابَ عَلَيْهِ لَا لِلِانْتِقَامِ، وَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَعَلَى الْعَاقِلَةِ بِسَبَبِ الْغَيْرِ وَيَجِبُ حَيْثُ يَجِبُ الْإِتْلَافُ كَالْمُضْطَرِّ فِي

نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 187
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست