responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 172
عَلَى أَنَّ الْعَالِمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي دَلَالَةِ الْأَدِلَّةِ، وَالِاسْتِحْسَانُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي أَدِلَّةِ الشَّرْعِ حُكْمٌ بِالْهَوَى الْمُجَرَّدِ وَهُوَ كَاسْتِحْسَانِ الْعَامِّيِّ وَمَنْ لَا يُحْسِنُ النَّظَرَ، فَإِنَّهُ إنَّمَا جُوِّزَ الِاجْتِهَادُ لِلْعَالِمِ دُونَ الْعَامِّيِّ؛ لِأَنَّهُ يُفَارِقُهُ فِي مَعْرِفَةِ أَدِلَّةِ الشَّرِيعَةِ وَتَمْيِيزِ صَحِيحِهَا مِنْ فَاسِدِهَا، وَإِلَّا فَالْعَامِّيُّ أَيْضًا يَسْتَحْسِنُ، وَلَكِنْ يُقَالُ: لَعَلَّ مُسْتَنَدَ اسْتِحْسَانِك وَهْمٌ وَخَيَالٌ لَا أَصْلَ لَهُ.
وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ النَّفْسَ لَا تَمِيلُ إلَى الشَّيْءِ إلَّا بِسَبَبٍ مُمِيلٍ إلَيْهِ، لَكِنَّ السَّبَبَ يَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ وَهْمٌ وَخَيَالٌ إذَا عُرِضَ عَلَى الْأَدِلَّةِ لَمْ يَتَحَصَّلْ مِنْهُ طَائِلٌ، وَإِلَى مَا هُوَ مَشْهُورٌ مِنْ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ، فَلَمْ يُمَيِّزْ الْمُسْتَحْسِنُ مَيْلَهُ عَنْ الْأَوْهَامِ وَسَوَابِقِ الرَّأْيِ إذَا لَمْ يَنْظُرْ فِي الْأَدِلَّةِ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا. وَلَهُمْ شُبَهٌ ثَلَاثٌ:
الشُّبْهَةُ الْأُولَى: قَوْله تَعَالَى {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ} [الزمر: 55] وَقَالَ: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18] .
قُلْنَا: اتِّبَاعُ أَحْسَنِ مَا أُنْزِلَ إلَيْنَا هُوَ اتِّبَاعُ الْأَدِلَّةِ، فَبَيَّنُوا أَنَّ هَذَا مِمَّا أُنْزِلَ إلَيْنَا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحْسَنِهِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّبَعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الزمر: 55] ثُمَّ نَقُولُ: نَحْنُ نَسْتَحْسِنُ إبْطَالَ الِاسْتِحْسَانِ وَأَنْ لَا يَكُونَ لَنَا شَرْعٌ سِوَى الْمُصَدَّقِ بِالْمُعْجِزَةِ، فَلْيَكُنْ هَذَا حُجَّةً عَلَيْهِمْ. الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنْ يَلْزَمَ مِنْ ظَاهِرِ هَذَا اتِّبَاعُ اسْتِحْسَانِ الْعَامِّيِّ وَالطِّفْلِ وَالْمَعْتُوهِ لِعُمُومِ اللَّفْظِ.
فَإِنْ قُلْتُمْ: الْمُرَادُ بِهِ بَعْضُ الِاسْتِحْسَانَاتِ وَهُوَ اسْتِحْسَانُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ، فَكَذَلِكَ نَقُولُ: الْمُرَادُ كُلُّ اسْتِحْسَانٍ صَدَرَ عَنْ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ، وَإِلَّا فَأَيُّ وَجْهٍ لِاعْتِبَارِ أَهْلِيَّةِ النَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ النَّظَرِ؟
الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» . وَلَا حُجَّةَ فِيهِ مِنْ أَوْجُهٍ.
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْأُصُولُ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا رَآهُ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ بِهِ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ آحَادِهِمْ، فَإِنْ أَرَادَ الْجَمِيعَ فَهُوَ صَحِيحٌ إذْ الْأُمَّةُ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى حُسْنِ شَيْءٍ إلَّا عَنْ دَلِيلٍ، وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ، وَهُوَ مُرَادُ الْخَبَرِ.
وَإِنْ أَرَادَ الْآحَادَ لَزِمَ اسْتِحْسَانُ الْعَوَامّ، فَإِنْ فَرَّقَ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلنَّظَرِ قُلْنَا: إذَا كَانَ لَا يَنْظُرُ فِي الْأَدِلَّةِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ لِأَهْلِيَّةِ النَّظَرِ.
الثَّالِثِ: أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْسَانِ مَنْعِ الْحُكْمِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَلَا حُجَّةٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَعَ كَثْرَةِ وَقَائِعِهِمْ تَمَسَّكُوا بِالظَّوَاهِرِ وَالْأَشْبَاهِ وَمَا قَالَ وَاحِدٌ حَكَمْتُ بِكَذَا وَكَذَا لِأَنِّي اسْتَحْسَنْتُهُ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَشَدَّدُوا الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ وَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ حَتَّى يَكُونَ اسْتِحْسَانُكَ شَرْعًا وَتَكُونَ شَارِعًا لَنَا وَمَا قَالَ مُعَاذٌ حَيْثُ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ إنِّي أَسْتَحْسِنُ بَلْ ذَكَرَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالِاجْتِهَادَ فَقَطْ.
الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ الْأُمَّةَ اسْتَحْسَنَتْ دُخُولَ الْحَمَّامِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ أُجْرَةِ وَعِوَضِ الْمَاءِ وَلَا تَقْدِيرِ مُدَّةِ السُّكُونِ وَاللُّبْثِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ شُرْبِ الْمَاءِ مِنْ يَدِ السَّقَّاءِ بِغَيْرِ تَقْدِيرِ الْعِوَضِ وَلَا مَبْلَغِ الْمَاءِ الْمَشْرُوبِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِي مِثْلِ هَذَا قَبِيحٌ فِي الْعَادَاتِ، فَاسْتَحْسَنُوا تَرْكَ الْمُضَايَقَةِ فِيهِ، وَلَا يُحْتَمَلُ ذَلِكَ فِي إجَارَةٍ وَلَا بَيْعٍ وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ مِنْ أَيْنَ عَرَفُوا أَنَّ الْأُمَّةَ فَعَلَتْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ وَدَلِيلٍ لَعَلَّ الدَّلِيلَ جَرَيَانُ ذَلِكَ فِي عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 172
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست