responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 138
وَسَمِعُوهُ مِنْهُ، ثُمَّ إذَا انْحَصَرَ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ فَكَمَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْلَمَ قَوْلُ وَاحِدٍ أَمْكَنَ أَنْ يُعْلَمَ قَوْلُ الثَّانِي إلَى الْعَشَرَةِ، وَالْعِشْرِينَ. فَإِنْ قِيلَ: لَعَلَّ أَحَدًا مِنْهُمْ فِي أَسْرِ الْكُفَّارِ وَبِلَادِ الرُّومِ. قُلْنَا: تَجِبُ مُرَاجَعَتُهُ. وَمَذْهَبُ الْأَسِيرِ يُنْقَلُ كَمَذْهَبِ غَيْرِهِ وَتُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ، فَمَنْ شَكَّ فِي مُوَافَقَتِهِ لِلْآخَرِينَ لَمْ يَكُنْ مُتَحَقِّقًا لِلْإِجْمَاعِ فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ عُرِفَ مَذْهَبُهُ رُبَّمَا يَرْجِعُ عَنْهُ بَعْدَهُ. قُلْنَا: لَا أَثَرَ لِرُجُوعِهِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مَحْجُوجًا بِهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ رُجُوعُ جَمِيعِهِمْ إذْ يَصِيرُ أَحَدُ الْإِجْمَاعَيْنِ خَطَأً وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ بِدَلِيلِ السَّمْعِ.

أَمَّا الرَّابِعُ: وَهُوَ إقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَى اسْتِحَالَةِ الْخَطَأِ عَلَى الْأُمَّةِ، وَفِيهِ الشَّأْنُ كُلُّهُ وَكَوْنُهُ حُجَّةً إنَّمَا يُعْلَمُ بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَوْ عَقْلٍ، أَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْإِجْمَاعِ بِهِ. وَقَدْ طَمِعُوا فِي التَّلَقِّي مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَقْلِ وَأَقْوَاهَا السُّنَّةُ وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْمَسَالِكَ الثَّلَاثَةَ.
الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ التَّمَسُّكُ بِالْكِتَابِ، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] وقَوْله تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] الْآيَةَ. وقَوْله تَعَالَى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 181] وقَوْله تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] وقَوْله تَعَالَى {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلَى اللَّهِ} [الشورى: 10] وَمَفْهُومُهُ: أَنَّ مَا اتَّفَقْتُمْ فِيهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] مَفْهُومُهُ: إنْ اتَّفَقْتُمْ فَهُوَ حَقٌّ.
فَهَذِهِ كُلُّهَا ظَوَاهِرُ لَا تَنُصُّ عَلَى الْغَرَضِ، بَلْ لَا تَدُلُّ أَيْضًا دَلَالَةَ الظَّوَاهِرِ. وَأَقْوَاهَا قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ اتِّبَاعَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ. وَهَذَا مَا تَمَسَّك بِهِ الشَّافِعِيُّ وَقَدْ أَطْنَبْنَا فِي كِتَابِ تَهْذِيبِ الْأُصُولِ فِي تَوْجِيهِ الْأَسْئِلَةِ عَلَى الْآيَةِ وَدَفْعِهَا.
وَاَلَّذِي نَرَاهُ أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ نَصًّا فِي الْغَرَضِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَنَّ مَنْ يُقَاتِلْ الرَّسُولَ وَيُشَاقِّهِ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فِي مُشَايَعَتِهِ وَنُصْرَتِهِ وَدَفْعِ الْأَعْدَاءِ عَنْهُ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِتَرْكِ الْمُشَاقَّةِ حَتَّى تَنْضَمَّ إلَيْهِ مُتَابَعَةُ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فِي نُصْرَتِهِ وَالذَّبِّ عَنْهُ وَالِانْقِيَادِ لَهُ فِيمَا يَأْمُرُ وَيَنْهَى. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا فَهُوَ مُحْتَمَلٌ.
وَلَوْ فَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْآيَةَ بِذَلِكَ لَقُبِلَ وَلَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ رَفْعًا لِلنَّصِّ، كَمَا لَوْ فَسَّرَ الْمُشَاقَّةَ بِالْمُوَافَقَةِ وَاتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْعُدُولِ عَنْ سَبِيلِهِمْ.
الْمَسْلَكُ الثَّانِي، وَهُوَ الْأَقْوَى: التَّمَسُّك بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الْخَطَأِ» . وَهَذَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ أَقْوَى وَأَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ، وَلَكِنْ لَيْسَ بِالْمُتَوَاتِرِ كَالْكِتَابِ، وَالْكِتَابُ مُتَوَاتِرٌ، لَكِنْ لَيْسَ بِنَصٍّ.
فَطَرِيقُ تَقْرِيرِ الدَّلِيلِ أَنْ نَقُولَ: تَظَاهَرَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ مَعَ اتِّفَاقِ الْمَعْنَى فِي عِصْمَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ الْخَطَأِ، وَاشْتُهِرَ عَلَى لِسَانِ الْمَرْمُوقِينَ وَالثِّقَاتِ مِنْ الصَّحَابَةِ كَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَطُولُ ذِكْرُهُ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ» ، «وَلَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَجْمَعَ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ»

نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 138
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست