responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 117
تَعَالَى بِأَمْرٍ فَلْيُعَرِّفْنَا أَمْرَهُ لِنَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ إمَّا مُمْتَثِلُونَ أَوْ مُخَالِفُونَ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ إنْ صَدَرَ مِمَّنْ يُنْكِرُ الشَّرَائِعَ فَنَقُولُ: أَيُّ اسْتِحَالَةٍ فِي أَنْ يَقُولَ اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ إذَا طَارَ بِكُمْ طَائِرٌ وَظَنَنْتُمُوهُ غُرَابًا فَقَدْ أَوْجَبْتُ عَلَيْكُمْ كَذَا وَكَذَا وَجَعَلْتُ ظَنَّكُمْ عَلَامَةَ وُجُوبِ الْعَمَلِ كَمَا جَعَلْتُ زَوَالَ الشَّمْسِ عَلَامَةَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ. فَيَكُونُ نَفْسُ الظَّنِّ عَلَامَةَ الْوُجُوبِ وَالظَّنُّ مُدْرَكٌ بِالْحِسِّ وُجُودُهُ، فَيَكُونُ الْوُجُوبُ مَعْلُومًا، فَمَنْ أَتَى بِالْوَاجِبِ عِنْدَ الظَّنِّ فَقَدْ امْتَثَلَ قَطْعًا وَأَصَابَ.
فَإِذَا جَازَ أَنْ يَجْعَلَ الزَّوَالَ أَوْ ظَنَّ كَوْنِهِ غُرَابًا عَلَامَةً فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ ظَنَّهُ عَلَامَةً؟ وَيُقَالُ لَهُ: إذَا ظَنَنْتَ صِدْقَ الرَّاوِي وَالشَّاهِدِ وَالْحَالِفِ فَاحْكُمْ بِهِ وَلَسْتَ مُتَعَبَّدًا بِمَعْرِفَةِ صِدْقِهِ وَلَكِنْ بِالْعَمَلِ عِنْدَ ظَنِّ صِدْقِهِ وَأَنْتَ مُصِيبٌ وَمُمْتَثِلُ صِدْقٍ أَوْ كَذِبٍ، وَلَسْتَ مُتَعَبَّدًا بِالْعِلْمِ بِصِدْقِهِ وَلَكِنْ بِالْعَمَلِ عِنْدَ ظَنِّكِ الَّذِي تُحِسُّهُ مِنْ نَفْسِكَ، وَهَذَا مَا نَعْتَقِدُهُ فِي الْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا إذَا صَدَرَ هَذَا مِنْ مُقِرٍّ بِالشَّرْعِ فَلَا يُتَمَكَّنُ مِنْهُ لِأَنَّهُ تُعُبِّدَ بِالْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ وَالْحُكْمِ وَالْفَتْوَى وَمُعَايَنَةِ الْكَعْبَةِ وَخَبَرِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذِهِ خَمْسَةٌ. ثُمَّ الشَّهَادَةُ قَدْ يُقْطَعُ بِهَا كَشَهَادَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ حِينَ صَدَّقَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَشَهَادَةِ مُوسَى وَهَارُونَ وَالْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -، وَقَدْ يُظَنُّ ذَلِكَ كَشَهَادَةِ غَيْرِهِمْ.
ثُمَّ أُلْحِقَ الْمَظْنُونُ بِالْمَقْطُوعِ بِهِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ، وَكَذَلِكَ فَتْوَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُكْمُهُ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَفَتْوَى سَائِرِ الْأَئِمَّةِ وَحُكْمُ سَائِرِ الْقُضَاةِ مَظْنُونٌ وَأُلْحِقَ بِالْمَعْلُومِ وَالْكَعْبَةُ تُعْلَمُ قَطْعًا بِالْعِيَانِ وَتُظَنُّ بِالِاجْتِهَادِ، وَعِنْدَ الظَّنِّ يَجِبُ الْعَمَلُ كَمَا يَجِبُ عِنْدَ الْمُشَاهَدَةِ، فَكَذَلِكَ خَبَرُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَ التَّوَاتُرِ. فَلِمَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُلْحَقَ الْمَظْنُونُ بِالْمَعْلُومِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ خَاصَّةً وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ فِي مَفْسَدَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ أَصْلًا؟ فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يَجُوزُ التَّعَبُّدُ بِالْعَمَلِ بِخَبَرِ الْفَاسِقِ؟ قُلْنَا قَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ بِشَرْطِ ظَنِّ الصِّدْقِ.
وَهَذَا الشَّرْطُ عِنْدَنَا فَاسِدٌ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ حَرَكَةُ الْفَلَكِ عَلَامَةَ التَّعَبُّدِ بِالصَّلَاةِ فَحَرَكَةُ لِسَانِ الْفَاسِقِ يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ عَلَامَةً، فَتَكْلِيفُ الْعَمَلِ عِنْدَ وُجُودِ الْخَبَرِ شَيْءٌ وَكَوْنُ الْخَبَرِ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا شَيْءٌ آخَرُ.

[مَسْأَلَةٌ الْعَقْلَ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ]
مَسْأَلَةٌ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ الْعَقْلَ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ دُونَ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِدَلِيلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُفْتِي إذَا لَمْ يَجِدْ دَلِيلًا قَاطِعًا مِنْ كِتَابٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ وَوُجِدَ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَلَوْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ لَتَعَطَّلَتْ الْأَحْكَامُ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ مَبْعُوثًا إلَى أَهْلِ الْعَصْرِ يَحْتَاجُ إلَى إنْفَاذِ الرُّسُلِ؛ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُشَافَهَةِ الْجَمِيعِ وَلَا إشَاعَةِ جَمِيعِ أَحْكَامِهِ عَلَى التَّوَاتُرِ إلَى كُلِّ أَحَدٍ؛ إذْ لَوْ أَنْفَذَ عَدَدَ التَّوَاتُرِ إلَى كُلِّ قُطْرٍ لَمْ يَفِ بِذَلِكَ أَهْلُ مَدِينَتِهِ.
وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمُفْتِي إذَا فَقَدَ الْأَدِلَّةَ الْقَاطِعَةَ يَرْجِعُ إلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالِاسْتِصْحَابِ، كَمَا لَوْ فَقَدَ خَبَرَ الْوَاحِدِ أَيْضًا. وَأَمَّا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى مَنْ يَقْدِرُ عَلَى تَبْلِيغِهِ، فَمِنْ النَّاسِ فِي الْجَزَائِرِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الشَّرْعُ فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ، فَلَيْسَ تَكْلِيفُ الْجَمِيعِ وَاجِبًا نَعَمْ لَوْ تُعُبِّدَ نَبِيٌّ بِأَنْ يُكَلِّفَ جَمِيعَ الْخَلْقِ وَلَا يُخْلِي وَاقِعَةً عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا شَخْصًا عَنْ التَّكْلِيفِ فَرُبَّمَا يَكُونُ الِاكْتِفَاءُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ

نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 117
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست