responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 102
يُتَوَهَّمُ الْقَطْعُ بِهِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ:
الْأُولَى: مَا يَجْرِي مَجْرَى النَّصِّ وَأَوْضَحَ مِنْهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] فَإِنَّ تَحْرِيمَ الضَّرْبِ مُدْرَكٌ مِنْهُ قَطْعًا، فَلَوْ كَانَ وَرَدَ نَصٌّ بِإِبَاحَةِ الضَّرْبِ لَكَانَ هَذَا نَاسِخًا لِأَنَّهُ أَظْهَرُ مِنْ الْمَنْطُوقِ بِهِ.
وَفِي دَرَجَتِهِ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] الْآيَةَ فِي أَنَّ مَا هُوَ فَوْقَ الذَّرَّةِ كَذَلِكَ. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] فِي أَنَّ لِلْأَبِ الثُّلُثَيْنِ.
الرُّتْبَةُ الثَّانِيَةُ: لَوْ وَرَدَ نَصٌّ بِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَسْرِي فِي الْأَمَةِ ثُمَّ وَرَدَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ الْبَاقِي» لَقَضَيْنَا بِسِرَايَةِ عِتْقِ الْأَمَةِ قِيَاسًا عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ مَقْطُوعٌ بِهِ، إذْ عُلِمَ قَطْعًا قَصْدُ الشَّارِعِ إلَى الْمَمْلُوكِ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا.
الرُّتْبَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَرِدَ النَّصُّ مَثَلًا بِإِبَاحَةِ النَّبِيذِ، ثُمَّ يَقُولُ الشَّارِعُ: حَرَّمْتُ الْخَمْرَ لِشِدَّتِهَا، فَيَنْسَخُ إبَاحَةَ النَّبِيذِ بِقِيَاسِهِ عَلَى الْخَمْرِ إنْ تُعُبِّدْنَا بِالْقِيَاسِ وَقَالَ قَوْمٌ: وَإِنْ لَمْ نُتَعَبَّدْ بِالْقِيَاسِ نَسَخْنَا أَيْضًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ " حَرَّمْتُ كُلَّ مُنْتَبَذٍ " وَبَيْنَ قَوْلِهِ " حَرَّمْتُ الْخَمْرَ لِشِدَّتِهَا "، وَلِذَلِكَ أَقَرَّ النَّظَّامُ بِالْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا لِأَصْلِ الْقِيَاسِ.
وَلْنَتَبَيَّنْ أَنَّهُ إنْ لَمْ نُتَعَبَّدْ بِالْقِيَاسِ، فَقَوْلُهُ: حَرَّمْتُ الْخَمْرَ عَلَيْكُمْ لِشِدَّتِهَا، لَيْسَ قَاطِعًا فِي تَحْرِيمِ النَّبِيذِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ شِدَّةَ الْخَمْرِ خَاصَّةً كَمَا تَكُونُ الْعِلَّةُ فِي الرَّجْمِ زِنَا الْمُحْصَنِ، خَاصَّةً وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْقَاطِعَ لَا يُرْفَعُ بِالظَّنِّ بَلْ بِالْقَاطِعِ. فَإِنْ قِيلَ اسْتِحَالَةُ رَفْعِهِ بِالْمَظْنُونِ عَقْلِيٌّ أَوْ سَمْعِيٌّ؟ قُلْنَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ سَمْعِيٌّ، وَلَا يَسْتَحِيلُ عَقْلًا أَنْ يُقَالَ: تَعَبَّدْنَاكُمْ بِنَسْخِ النَّصِّ بِالْقِيَاسِ عَلَى نَصٍّ آخَرَ، نَعَمْ يَسْتَحِيلُ أَنْ نُتَعَبَّدَ بِنَسْخِ النَّصِّ بِقِيَاسٍ مُسْتَنْبَطٍ مِنْ عَيْنِ ذَلِكَ النَّصِّ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَصِيرَ هُوَ مُنَاقِضًا لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ وَاجِبَ الْعَمَلِ بِهِ وَسَاقِطَ الْعَمَلِ بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى امْتِنَاعِهِ سَمْعًا؟ قُلْنَا: يَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى بُطْلَانِ كُلِّ قِيَاسٍ مُخَالِفٍ لِلنَّصِّ، وَقَوْلُ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أَجْتَهِدُ رَأْيِي " بَعْدَ فَقْدِ النَّصِّ وَتَزْكِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ، وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى تَرْكِ الْقِيَاسِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ، فَكَيْفَ بِالنَّصِّ الْقَاطِعِ الْمُتَوَاتِرِ؟ وَاشْتِهَارُ قَوْلِهِمْ عِنْدَ سَمَاعِ خَبَرِ الْوَاحِدِ: " لَوْلَا هَذَا لَقَضَيْنَا بِرَأْيِنَا " وَلِأَنَّ دَلَالَةَ النَّصِّ قَاطِعٌ فِي الْمَنْصُوصِ وَدَلَالَةَ الْأَصْلِ عَلَى الْفَرْعِ مَظْنُونٌ فَكَيْفَ يُتْرَكُ الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ؟ وَهَذَا مُسْتَنَدُ الصَّحَابَةِ فِي إجْمَاعِهِمْ عَلَى تَرْكِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ.
فَإِنْ قِيلَ: إذَا تَنَاقَضَ قَاطِعَانِ وَأَشْكَلَ الْمُتَأَخِّرُ فَهَلْ يَثْبُتُ تَأَخُّرُ أَحَدِهِمَا بِقَوْلِ الْوَاحِدِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ النَّاسِخَ؟ قُلْنَا: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْإِحْصَانُ بِقَوْلِ اثْنَيْنِ مَعَ أَنَّ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاطُ لِلشَّرْطِ بِمَا يُحْتَاطُ بِهِ لِلْمَشْرُوطِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: النَّسْخُ إذَا كَانَ بِالتَّأَخُّرِ وَالْمَنْسُوخُ قَاطِعٌ فَلَا يَكْفِي فِيهِ قَوْلُ الْوَاحِدِ فَهَذَا فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، وَالْأَظْهَرُ قَبُولُهُ لِأَنَّ أَحَدَ النَّصَّيْنِ مَنْسُوخٌ قَطْعًا، وَإِنَّمَا هَذَا مَطْلُوبٌ قَبُولُهُ لِلتَّعَيُّنِ.

[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ حُكْمٌ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ]
ِّ لَا يُنْسَخُ حُكْمٌ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ: نُسِخَ حُكْمُ كَذَا، مَا لَمْ يَقُلْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ نَسَخْتُ حُكْمَ كَذَا، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ نُظِرَ فِي الْحُكْمِ إنْ كَانَ ثَابِتًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ صَارَ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ قَاطِعًا فَلَا. أَمَّا قَوْلُهُ: نُسِخَ حُكْمُ كَذَا، فَلَا يُقْبَلُ قَطْعًا، فَلَعَلَّهُ ظَنَّ مَا لَيْسَ بِنَسْخٍ نَسْخًا فَقَدْ ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ، وَكَذَلِكَ فِي

نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 102
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست