نام کتاب : الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي نویسنده : الحجوي جلد : 1 صفحه : 430
تألب الأثريين ضده:
بقدر اتساع شهرته وفشوِّ فتاويه ازداد تألبُّ الحجازيين ضده, ورموه تارة بنبذ السنة وعدم الاعتراف بها، وتارة بقصور الباع فيها، وحاشاه منهما معًا, إمام من أئمة المسلمين الهداة، آخذ بالسنة، وروى منها كثيرًا كما سبق، وقد قال الشافعي: أجمع الناس على أن من استبانت له سنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس, فكل ما يوجد في مذهب أبي حنيفة من مخالفةالسنن, فإما أن يكون لم يطَّلع عليها لكونه أخذ بأحاديث العراقيين دون الحجازيين والشاميين إلّا ما قلّ، وفي هذه الصورة يتعين ترك مذهبه، والتمسُّك بالسنة, وفي مثل هذه الصورة يذم التقليد في جميع المذاهب, ويتعين الخروج من ربقته؛ لأن الإحاطة بالعلم إنما هي لله، والعصمة إنما هي لمقام النبوة.
وليس أبو حنيفة أو مالك برسل بعثوا, وإنما هم مجتهدون يخطئون ويصيبون، وإما أن يكون اطَّلع على قادح أو معارض فتركها، وهنا يحتدم الجدال بين أرباب المذاهب في القادح, هل هو مؤثِّرٌ أم لا، وفي المعارض هل هو مقدَّم أم لا.
انتقاد القياس والاستحسان وجوابه:
لقي مذهبه صدمتين عظيمتين من فئتين عظيمتين، هما جمهور علماء الإسلام في القرن الثاني، وهما المحدثون والمتكلمون من أهل السنة، شنّوا عليه غارة شعواء، فأهل الحديث يرون أن السنة أصل مكين في التشريع, مكمل للقرآن من غير أن ننظر إلى علل الأحكام, فنقيس عليها ولا إلى أصول عامة فنستحسن، ومن المحدِّثين نشأ أهل الظاهر الجامدون على نصوص الشرع بالحرف, غير ناظرين إلى مقاصدها وعللها, فإذا لم يجدوا نصًّا قالوا: لا ندري, وأحجموا عن الفتوى زاعمين أن مذهب الكوفيين فلسفة فارسية صيّرت الفقه الذي هو شرع وتعبُّد عمليًّا وضعيًّا من أوضاع البشر.
وقالوا: إننا إذا نظرنا إلى المعنى أو العلل صرنا مُشرِّعين بفكرنا, لا ممتثلين متعبدين, ولزم انحلال الشريعة وعدم الوقوف عند حدها، مع أنَّا نرى القوانين البشرية لا يتجاسر عليها, بل يوقف عند حد منطوقها ومفهومها، فكيف بما هو شرع إلهي.
ولولا الوقوف عند نصوص الشرائع ما انضبط حكم, بل كان ذريعة للحكم بالهوى, فكل من كان له غرض وكان له فضل بيان ونظر, أمكنه أن يدَّعي القياس والعلل, ويعجز من لم يكن ذا قدرة على البيان عن الحجة، ولذا قال عليه السلام:
نام کتاب : الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي نویسنده : الحجوي جلد : 1 صفحه : 430