responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفصول في الأصول نویسنده : الجصاص    جلد : 3  صفحه : 39
أَرَادُوا مِصْرَ، لِمَا غَلَبَ فِي ظُنُونِهِمْ وَسَكَنَتْ إلَيْهِ نُفُوسُهُمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِحَقِيقَةِ عِلْمٍ، إذْ قَدْ يَغْلِبُ فِي عِلْمِ الْإِنْسَانِ مَا لَا يَكُونُ لَهُ حَقِيقَةً، وَتَسْكُنُ نَفْسُهُ إلَى مَا لَا يَرْجِعُ مِنْهُ إلَى يَقِينٍ.
قِيلَ: إنَّ مَا وَصَفْت أَنَّهُ غَلَبَةُ ظَنٍّ، وَسُكُونُ نَفْسٍ، عُلِمَ بِصِحَّةِ مُخْبِرِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ، وَإِنَّمَا تَوَهَّمْتُمْ أَنَّ عِلْمَكُمْ هَذَا.
فَإِنْ قَالَ: لَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِصِحَّةِ مَا ذَكَرْتُمْ اضْطِرَارًا، لَمَا جَازَ أَنْ يُدْفَعَ، وَنَحْنُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ أَنْ نَكُونَ عَالِمِينَ بِصِحَّةِ مَا ذَكَرْتُمْ.
قِيلَ لَهُ: لَمْ تَدْفَعُوا أَنْتُمْ كَوْنَ هَذِهِ الْبُلْدَانِ، وَلَا وُجُودَ السَّمَاءِ، قَبْلَ مَوْلِدِكُمْ، وَلَا وُجُودَ أَجْدَادِكُمْ، وَإِنَّمَا أَنْكَرْتُمْ أَنْ تَكُونُوا عَالِمِينَ بِهِ حِينَ تَوَهَّمْتُمْ: أَنَّ عِلْمَكُمْ هَذَا ظَنٌّ وَحُسْبَانٌ، كَظَنِّ مَنْ أَنْكَرَ حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ، وَالْأَصْلُ وُقُوعُ الْعِلْمِ بِخَبَرِ التَّوَاتُرِ.
إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَرَادَ عِبَادَهُ وَتَرْغِيبَهُمْ فِيمَا فِيهِ نَجَاتُهُمْ، وَتَعَبَّدَهُمْ بِمَا فِيهِ مَصَالِحُ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، عَلَى سُنَّةِ رُسُلِهِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، بَعْدَمَا قَرَّرَ فِي عُقُولِهِمْ وُجُوبَ اجْتِنَابِ الْمُقَبَّحَاتِ فِيهَا، وَفِعْلَ مَا يَقْتَضِي فِعْلَهُ مِنْ مُوجِبَاتِ أَحْكَامِهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِ الرُّسُلِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - إبْلَاغُ كُلِّ أَحَدٍ فِي نَفْسِهِ، وَمُشَافَهَتُهُ بِمَا تَعَبَّدَهُ بِهِ مِنْ أَوَّلِ الْأُمَّةِ وَآخِرِهَا، خَالَفَ بَيْنَ طَبَائِعِ النَّاسِ، وَهِمَمِهِمْ وَأَغْرَاضِهِمْ، لِيَجْمَعَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى مَصَالِحِهِمْ، فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَلِئَلَّا يَقَعَ مِنْهُمْ اتِّفَاقٌ، وَمِنْ غَيْرِ تَشَاعُرٍ وَلَا تَوَاطُؤٍ عَلَى اخْتِرَاعِ خَبَرٍ لَا أَصْلَ لَهُ.
وَأَجْرَى بِذَلِكَ عَادَةً تَقَرَّرَتْ فِي نُفُوسِ النَّاسِ، كَمَا أَجْرَى الْعَادَةَ بِامْتِنَاعِ وُقُوعِ الْخَبَرِ عَلَى مُخْبَرَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ إنْسَانٍ وَاحِدٍ، عَلَى جِهَةِ التَّظَنِّي وَالْحُسْبَانِ، فَصَادَفَ ذَلِكَ وُجُودَ مُخْبَرِهِ فِي جَمِيعِ مَا أَخْبَرَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَيَقَّنَ بِذَلِكَ فِي الْوَاحِدِ، ثُمَّ وَفَّقَ بَيْنَ طَبَائِعِهِمْ فِي اسْتِنْقَالِ كِتْمَانِ مَا يُشَاهِدُونَ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْعَجِيبَةِ، وَالْأُمُورِ الْعِظَامِ، وَحَبَّبَ إلَيْهِمْ نَقْلَهَا وَإِذَاعَتَهَا، لِتَتِمَّ الْحُجَّةُ فِي نَقْلِ الشَّرَائِعِ، وَمَا بِهِمْ إلَيْهِ الْحَاجَةُ فِي مَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، فَكُلُّ خَبَرٍ وَرَدَ بِالْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَنَقَلَهُ قَوْمٌ مُخْتَلِفُو الْآرَاءِ، وَالْهِمَمِ، غَيْرِ مُتَشَاعِرِينَ، لَا يَجُوزُ عَلَى مِثْلِهِمْ التَّوَاطُؤُ، أَوَّلُهُمْ كَآخِرِهِمْ، وَوَسَطُهُمْ كَطَرَفِهِمْ، فَأَخْبَرُوا عَمَّنْ شَاهَدُوهُ وَعَرَفُوهُ

نام کتاب : الفصول في الأصول نویسنده : الجصاص    جلد : 3  صفحه : 39
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست