responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفصول في الأصول نویسنده : الجصاص    جلد : 3  صفحه : 261
فَإِنْ قِيلَ: قَوْله تَعَالَى {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْت الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وَفِيهِمْ مَنْ عَبَدَ، وَفِيهِمْ مَنْ لَمْ يَعْبُدْ.
وَكَذَلِكَ جَائِزٌ مِنْ الْأُمَّةِ تَضْيِيعُ الشَّهَادَةِ، كَمَا جَازَ مِنْ بَعْضِ مَنْ خُلِقَ لِلْعِبَادَةِ تَرْكُهَا.
قِيلَ لَهُ: لَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ هَذَا فِي الْأُمَّةِ - لَجَازَ فِي الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِثْلُهُ، فَلَمَّا كَانَ وَصْفُهُ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ قَدْ اقْتَضَى قَبُولَ شَهَادَتِهِ، وَلُزُومَ قَوْلِهِ، كَانَتْ الْأُمَّةُ مِثْلَهُ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ فِي الرَّسُولِ - لَمْ يَجُزْ فِي الْأُمَّةِ مِثْلُهُ، وَفَارَقَ الْعِبَادَةَ مَا ذَكَرْت مِنْ الْوَصْفِ بِالشَّهَادَةِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ (لَمَّا) وَصَفَ الْأُمَّةَ بِالْعَدَالَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] فَجَعَلَهُمْ شُهَدَاءَ بَعْدَ (وَصْفِهِ إيَّاهُمْ) بِالْعَدَالَةِ.
فَقَدْ أَفَادَ هَذَا الْوَصْفُ لَهُمْ قَبُولَ الشَّهَادَةِ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ لَهُمْ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِالْعَدَالَةِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَهُمْ غَيْرُ مُسْتَحِقِّينَ لِذَلِكَ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة: 24] يَعْنِي: أَنَّهُمْ كَذَلِكَ، وَهَذِهِ صِفَتُهُمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا خَلَقْت الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ إرَادَتِهِ خَلْقَهُمْ لِعِبَادَتِهِ، لَا عَلَى وَجْهِ وُقُوعِ الْحُكْمِ لَهُمْ بِالْعِبَادَةِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَسْتَشْهِدْهُمْ (عَلَى النَّاسِ) إلَّا وَقَوْلُهُمْ مَقْبُولٌ، وَشَهَادَتُهُمْ جَائِزَةٌ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَشْهِدَ مَنْ لَا يَجُوزُ شَهَادَتُهُ، لِأَنَّهُ عَبَثٌ، وَاَللَّهُ يَتَعَالَى عَنْهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَمَا خَلَقْت الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] فَإِنَّهُ إخْبَارٌ أَنَّهُ كَانَ مُرِيدًا لِخَلْقِهِ إيَّاهُمْ أَنْ يَعْبُدُوهُ، لِيَسْتَحِقُّوا بِهَا الثَّوَابَ الْجَزِيلَ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَإِنْ تَرَكُوهَا هُمْ.

نام کتاب : الفصول في الأصول نویسنده : الجصاص    جلد : 3  صفحه : 261
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست