responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التقرير والتحبير علي تحرير الكمال بن الهمام نویسنده : ابن أمير حاج    جلد : 3  صفحه : 10
وَعَدَمِهِ فِي الْمُؤَاخَذَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهَا عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْغَمُوسَ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ لَا تُنَاسِبُ الْكَفَّارَةَ الدَّائِرَةَ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ فَانْدَفَعَ رَدُّ ذَلِكَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ لَا سِيَّمَا الْحُقُوقُ الدَّائِرَةُ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ، وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ؛ لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَالْأُخْرَوِيَّةُ هِيَ الْكَامِلَةُ؛ لِأَنَّ الْآخِرَةَ خُلِقَتْ لِلْجَزَاءِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [غافر: 17] فَتُجَازَى فِيهِ عَلَى وِفَاقِ عَمَلِهَا بِخِلَافِ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا دَارُ ابْتِلَاءٍ قَدْ يُؤَاخَذُ فِيهَا الْمُطِيعُ بِجِنَايَةٍ تَطْهِيرًا وَقَدْ يُنَعَّمُ الْعَاصِي بِهَا اسْتِدْرَاجًا عَلَى أَنَّ الْمُؤَاخَذَاتِ فِي الدُّنْيَا شُرِعَتْ بِأَسْبَابٍ فِيهَا نَوْعُ ضَرَرٍ لِتَكُونَ زَوَاجِرَ فِيهَا إصْلَاحُنَا فَلَا تَتَمَحَّضُ مُؤَاخَذَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ وَإِنَّمَا تَتَمَحَّضُ فِي الْآخِرَةِ فَلَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ الثَّابِتُ فِي أَحَدِ النَّصَّيْنِ الْحُكْمَ الثَّابِتَ فِي الْآخِرَةِ فَبَطَلَ التَّدَافُعُ (وَهَذَا) الْجَمْعُ بَيْنَ مَضْمُونِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ (جَمْعٌ مِنْ قِبَلِ الْحُكْمِ) بِاخْتِلَافِهِ فِيهِمَا.

(وَمِنْهُ) أَيْ الْجَمْعِ مِنْ قِبَلِ الْحُكْمِ (تَوْزِيعُهُ) أَيْ الْحُكْمِ بِأَنْ يُجْعَلَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْحُكْمِ ثَابِتًا بِأَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ وَبَعْضُهَا مَنْفِيًّا بِالْآخَرِ (كَقِسْمَةِ الْمُدَّعِي بَيْنَ الْمُثْبِتَيْنِ) أَيْ مُدَّعِي كُلٍّ مِنْهُمَا إيَّاهُ كُلًّا بِحُجَّتِهِ (وَمَا قِيلَ) أَيْ قِيلَ هَذَا الْجَمْعُ فِي قِرَاءَتَيْ التَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ فِي {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] هُوَ (مِنْ قِبَلِ الْحَالِ) فَإِنَّهُ قَدْ حَمَلَ إحْدَاهُمَا عَلَى حَالَةٍ وَالْأُخْرَى عَلَى حَالَةٍ كَمَا رَأَيْتَ وَعَبَّرَ عَنْهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِالْمَحَلِّ (وَيَكُونُ) الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (مِنْ قِبَلِ الزَّمَانِ صَرِيحًا بِنَقْلِ التَّأَخُّرِ) لِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَقَوْلُهُ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] فَإِنَّ بَيْنَهُمَا تَعَارُضًا فِي حَقِّ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَجَمَعَ الْجُمْهُورُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] الْآيَةَ (بَعْدَ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ} [البقرة: 234] الْآيَةَ كَمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي الْبَحْثِ الْخَامِسِ فِي التَّخْصِيصِ (أَوْ) يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الزَّمَانِ (حُكْمًا كَالْمُحَرِّمِ) أَيْ كَتَقْدِيمِهِ (عَلَى الْمُبِيحِ) إذَا عَارَضَهُ (اعْتِبَارًا لَهُ) أَيْ لِلْمُحَرِّمِ (مُتَأَخِّرًا) عَنْ الْمُبِيحِ (كَيْ لَا يَتَكَرَّرَ النَّسْخُ) عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْمُحَرِّمِ مُقَدَّمًا عَلَى الْمُبِيحِ (بِنَاءً عَلَى أَصَالَةِ الْإِبَاحَةِ) فَإِنَّ الْمُحَرِّمَ حِينَئِذٍ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ ثُمَّ الْمُبِيحُ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْمُحَرِّمِ بِخِلَافِ تَقْدِيرِ كَوْنِ الْمُحَرِّمِ مُتَأَخِّرًا مَعَ الْقَوْلِ بِأَصَالَةِ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ النَّسْخُ؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ وَارِدٌ لِإِبْقَائِهَا حِينَئِذٍ وَالْمُحَرِّمُ نَاسِخٌ لَهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّكْرَارِ وَتَقَدَّمَ مَا فِي أَصَالَةِ الْإِبَاحَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مَسْأَلَتَيْ التَّنَزُّلِ فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ مِنْ الْبَحْثِ وَالتَّحْرِيرِ فَلْيُطْلَبْ ثَمَّةَ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ تَقْدِيمَ الْمُحَرِّمِ عَلَى الْمُبِيحِ (الِاحْتِيَاطُ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ حُكْمٍ وَهُوَ نَيْلُ الثَّوَابِ بِالِانْتِهَاءِ عَنْهُ وَاسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ بِالْإِقْدَامِ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَنْعَدِمُ فِي الْمُبِيحِ، وَالْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ.
وَعَنْ ابْنِ أَبَانَ وَأَبِي هَاشِمٍ أَنَّهُمَا يُطْرَحَانِ وَيَرْجِعُ الْمُجْتَهِدُ إلَى غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَدِلَّةِ كَالْغَرْقَى إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ مِنْ أَمْثَلِهِ هَذَا مَا وَرَدَ فِي تَحْرِيمِ الضَّبِّ وَإِبَاحَتِهِ إذْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ» وَرَوَى أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ بِرِجَالِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ قَالَ «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَنَزَلْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الضِّبَابِ فَأَصَبْنَا مِنْهَا فَذَبَحْنَا فَبَيْنَمَا الْقُدُورُ تَغْلِي بِهَا خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ فُقِدَتْ وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ هِيَ فَأَكْفِئُوهَا فَأَكْفَأْنَاهَا وَإِنَّا لَجِيَاعٌ» وَرَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ خَالِدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُدِّمَ إلَيْهِ ضَبٌّ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إلَيْهِ فَقِيلَ هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَرَفَعَ يَدَهُ فَقَالَ خَالِدٌ أُحَرِّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ.
قَالَ خَالِدٌ فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ فَلَمْ يَنْهَنِي» فَتَعَارَضَ الْمُحَرِّمُ وَالْمُبِيحُ فَجَعَلْنَا الْمُحَرِّمَ آخِرًا لِمَا قُلْنَا مِنْ تَقْلِيلِ مَعْنَى النَّسْخِ لَهُ كَالطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ مَحْجُوجٌ بِهَذَا (وَلَا يُقَدَّمُ الْإِثْبَاتُ) لِأَمْرٍ عَارِضٍ (عَلَى النَّفْيِ) لَهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكَرْخِيُّ وَالشَّافِعِيَّةُ (إلَّا إنْ كَانَ) النَّفْيُ لَا يُعْرَفُ بِالدَّلِيلِ بَلْ كَانَ (بِالْأَصْلِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ فَإِنَّ الْإِثْبَاتَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ.

نام کتاب : التقرير والتحبير علي تحرير الكمال بن الهمام نویسنده : ابن أمير حاج    جلد : 3  صفحه : 10
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست