responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول نویسنده : الشوكاني    جلد : 2  صفحه : 288
الدُّنْيَا هِيَ دَفْعُ ضَرَرِ خَوْفِ الْعِقَابِ، وذلك للزوم الخطور على باب كل عَاقِلٍ، إِذَا رَأَى مَا عَلَيْهِ مِنَ النِّعَمِ الْمُتَجَدِّدَةِ، وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ، أَنَّ الْمُنْعِمَ قَدْ أَلْزَمَهُ بِالشُّكْرِ كَمَا يَخْطُرُ عَلَى بَالِ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ مَلِكٌ مِنَ الْمُلُوكِ بِأَصْنَافِ النِّعَمِ أَنَّهُ مُطَالَبٌ لَهُ بِالشُّكْرِ عَلَيْهَا.
وَمَنَعَ الْأَشْعَرِيَّةُ لُزُومَ الْخُطُورِ الْمُوجِبِ لِلْخَوْفِ فَلَا يَتَعَيَّنُ وُجُودُهُ.
وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْمَنْعِ: بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَوَجِّهٍ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ هُوَ مَنْعٌ، فَإِنْ أَرَادُوا بِهَذَا الْمَنْعِ لِذَلِكَ الْمَنْعِ أَنَّ سَنَدَهُ لَا يَصْلُحُ لِلسَّنَدِيَّةِ، فَذَلِكَ مَنْعٌ مُجَرَّدٌ لِلسَّنَدِ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَعَلَى التَّسْلِيمِ فَيُقَالُ: إِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ وُجُودُ الْخَوْفِ، فَهُوَ على خطر الوجود، وبالشكر يَنْدَفِعُ احْتِمَالُ وَجُودِهِ، وَهُوَ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ.
ثُمَّ "جَاءَتِ"* الْأَشْعَرِيَّةُ بِمُعَارَضَةٍ لِمَا ذَكَرَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ، فَقَالُوا: وَلَوْ سُلِّمَ فَخَوْفُ الْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ مُعَارَضٌ بِخَوْفِ الْعِقَابِ عَلَى الشُّكْرِ، إِمَّا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَالِكِ، فَإِنَّ مَا يَتَصَرَّفُ بِهِ الْعَبْدُ مِنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهَا مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِمَّا لِأَنَّهُ كَالِاسْتِهْزَاءِ، وَمَا مَثَلُهُ إِلَّا كَمَثَلِ فَقِيرٍ حَضَرَ مَائِدَةَ مَلِكٍ عَظِيمٍ، فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِلُقْمَةٍ، فَطَفِقَ يَذْكُرُهَا فِي الْمَجَامِعِ، "وَيَشْكُرُهُ"** عَلَيْهَا شُكْرًا كَثِيرًا مُسْتَمِرًّا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ اسْتِهْزَاءً مِنَ الشَّاكِرِ بِالْمَلِكِ؛ فَكَذَا هُنَا، بَلِ اللُّقْمَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَلِكِ وَمَا يَمْلِكُهُ أَكْثَرُ مِمَّا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّبِّ سُبْحَانَهُ، وَشُكْرُ الْعَبْدِ أَقَلُّ قَدْرًا فِي جَنْبِ اللَّهِ مِنْ شُكْرِ الْفَقِيرِ لِلْمَلِكِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ.
وَلَا يَخْفَاكَ أن هذه المعارضة الركيكة والتمثيل الواقع على غَايَةٍ مِنَ السُّخْفِ، يَنْدَفِعَانِ بِمَا قَصَّهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْنَا فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، مِنْ تَعْظِيمِ شَأْنِ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَكَرَّرَ ذَلِكَ تَكْرِيرًا كَثِيرًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ سَقَطَ مَا جَاءُوا بِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ فَهُوَ التَّكْذِيبُ الْبَحْتُ وَالرَّدُّ الصُّرَاحُ.
ثُمَّ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّ النِّعْمَةَ الَّتِي وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَيْهَا هِيَ عَلَى غَايَةِ الْعَظَمَةِ عِنْدَ الشَّاكِرِ، فَإِنَّ أَوَّلَهَا وُجُودُهُ، ثم تكميل آلائه، ثُمَّ إِفَاضَةُ النِّعَمِ عَلَيْهِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا، فَكَيْفَ يَكُونُ شُكْرُهُ عَلَيْهَا اسْتِهْزَاءً.
وَقَدِ اعْتَرَضَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَشَاعِرَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، مِنْهُمُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي "تَحْرِيرِهِ"، فَقَالَ: وَلَقَدْ طَالَ رَوَاجُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى تَهَافُتِهَا، يَعْنِي جُمْلَةَ الِاسْتِدْلَالِ وَالِاعْتِرَاضِ.
ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ حُكْمَ الْمُعْتَزِلَةِ بِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ بِالْفِعْلِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ تَابِعٌ لِعَقْلِيَّةِ مَا فِي الفعل،

* في "أ": جاء.
** في "أ": وشكر.
نام کتاب : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول نویسنده : الشوكاني    جلد : 2  صفحه : 288
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست