نام کتاب : مدرسة الحديث في مصر نویسنده : محمد رشاد خليفة جلد : 1 صفحه : 57
والقراءات عن التنوخي، وجد في الفنون حتى بلغ الغاية، وحبب الله إليه الحديث فأقبل عليه بكليته، فعكف على الزين العراقي وتخرج به وانتفع بملازمته، وقرأ عليه ألفيته وشرحها، ونكته على ابن الصلاح دراية وتحقيقًا، وحمل عنه من أماليه الكثير، وتحول إلى القاهرة وسكنها، ورحل إلى البلاد الشامية والمصرية والحجازية، وأكثر جدًّا من المسموع والشيوخ، فسمع العالي والنازل وأخذ عن الشيوخ والأقران فمن دونهم، واجتمع له من الشيوخ الأعلام ما لم يجتمع لغيره، وتصدى لنشر الحديث، وقصر نفسه عليه قراءة وإقراء وتصنيفًا ومطالعة وإفتاء، وشهد له أعيان العلماء بالحفظ، وزادت تصانيفه التي معظمها في فنون الحديث على مائة وخمسين تصنيفًا، ويكفي دلالة على أهميتها أن منها فتح الباري بشرح صحيح البخاري الذي لم يسبق له نظير، والذي انتشر في سائر الآفاق وطلبه الملوك والأمراء، واستنسخه العلماء في حياته وبعد مماته، وأصبح من أهم ما يعول عليه في شرح البخاري إلى وقتنا الحاضر، ورزق ابن حجر في سائر تصانيفه من السعد والقبول ما لم يكن ليظفر به مؤلف في الحديث وعلومه، واعتزل القضاء بعد أن تولاه نحو عشرين عامًا، وصرح بأنه جنى على نفسه بتوليه، وأنه جر عليه من المحن والبلايا ما جعله يمقته، ودرس في أماكن كثيرة، درس التفسير بالحسينية والمنصورية والحديث بالبيبرسية والجمالية المستجدة، والزينبية والشيخونية وجامع طولون والقبة المنصورية، والإسماع بالمحمودية، والفقه بالحروبية البدرية بمصر، والشريفية الفخرية والشيخونية والصالحية والنجمية والصلاحية المجاورة للشافعي والمؤيدية، وولي مشيخة البيبرسية ونظرها، والإفتاء بدار العدل، والخطابة بجامع الأزهر ثم بجامع عمرو، وأمانة المكتبة المحمودية وأشياء غير ذلك مما لم يجتمع لغيره، وأملى ما يزيد على ألف مجلس من حفظه واشتهر ذكره وبعد صيته، وارتحل إليه الأئمة والأعيان وكثرت طلبته حتى كان رءوس العلماء في كل فن من تلاميذه، وأخذ الناس عنه طبقة بعد أخرى، وألحق الأبناء بالآباء والأحفاد بل وأبناءهم بالأجداد، ولم يجتمع عند أحد مجموعهم، وقهرهم بذكائه وسرعة إدراكه وإتساع نظره ووفور أدبه، وامتدحه الكبار، وشهد له شيخه العراقي بأنه أعلم أصحابه بالحديث وقال كل من التقي الفاسي والبرهان الحلبي: ما رأينا مثله، وقال الإمام السخاوي: وما عسى أن أقول عنه، أو من أنا حتى يعرف بمثله، وقد ترجمه الأعيان في التصانيف المتداولة بالأيدي وأثنوا عليه كثيرًا -وذكر عديدًا من هذه التصانيف- ثم قال: وكفى بذلك فخرًا.. ثم قال: ولم يزل على جلالته وعظمته في النفوس ومداومته على أنواع الخيرات حتى توفاه الله في أواخر ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وكان له مشهد عظيم شهده العلماء والأمراء وقدم السلطان الخليفة للصلاة عليه، ودفن تجاه تربة الديلمي بالقرافة[1].
9- الإمام العيني:
بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد أبو محمود وأبو الثناء بن الشهاب الحلبي الأصل العينتابي المولد ثم القاهري الحنفي ويعرف بالعيني، ولد في السابع عشر [1] الضوء اللامع ج2 ص36 والشذرات ج7 ص270 والبدر الطالع ج1 ص87.
نام کتاب : مدرسة الحديث في مصر نویسنده : محمد رشاد خليفة جلد : 1 صفحه : 57