إليه الباحث المتمرس، فترتوي منه عقولهم المتعطشة إلى معرفة قواعد هذا العلم الشريف.
وعلى الرغم من أن مشاركة ابن الصلاح وإسهامه العلمي قد شمل جوانب كثيرة من علوم الشريعة ـ كالفقه والأصول والتفسير [1] كما تدل على ذلك مؤلفاته، إلا أن نجمه قد سطع بشكل خاص في علوم الحديث التي اقترن اسمه بها، بحيث صار ما إن تذكر مبادئ هذا الفن الشريف حتى يذكر معها كتاب هذا الإمام الجهبذ المعروف بمقدمة ابن الصلاح.
ويعد هذا الكتاب من أهم الكتب في علوم الحديث، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، لأنه جاء تتويجا لكل الجهود التي سبقته، كما جاء تجديدا لحيويتها ونضارتها، نظرا لأسلوبه المبتكر في تناول مباحث ومبادئ هذا العلم وفق مقتضيات عصره، حيث نجده جمع المصطلحات الحديثية التي كانت متداولة بين المحدثين النقاد، ووضع لها تعاريف محددة، معتمدا في ذلك على فن المنطق، فجاءت تلك التعاريف جامعة مانعة وموجزة واضحة.
وبهذا العمل يكون ابن الصلاح قد ذلل ما كان صعبا، ومهد الطريق أمام المبتدئين لاستيعاب علم مصطلح الحديث وفهمه، بعد أن كان عسير التناول، لا يدرك مراميه، ولا يستفيد من المصنفات فيه إلا المتمكنون، وأصبح كتابه بذلك مدخلا لمعرفة مبادئ هذا الفن، ومقدمة لكتب الأحاديث بما [1] سير أعلام النبلاء: 23/142، للحافظ الذهبي، ط: مؤسسة الرسالة.