والجدير بالذكر أن ما سبق توضيحه من ظروف بروز ظاهرة الاعتماد على الكتب بسماتها المميزة، لا يعني أن ظاهرة الاعتماد على الأسانيد في نقل الأحاديث قد انقطعت بشكل نهائي، فقد كان بعض محدثي المرحلة الثانية كلما ظفروا ببعض الأحاديث بأسانيد عالية ـ سواء كانت تلك الأسانيد تمر بأصحاب الصحاح والدواوين الأخرى، ام لا تمر بشيء منها ـ حرصوا على تسجيلها في مشيخاتهم وبرامجهم حسب تراجم الشيوخ الذين استفادوها منهم، وقد يصنفون كتبا خاصة لذكر تلك الأحاديث، وهي التي تعرف باسم " الأجزاء " ومن تتبع كتب المتأخرين في التراجم يعثر على مزيد من التفاصيل حول هذه المسألة.
ولا بأس أن نسوق بعض النصوص كي تتضح صورة الأجزاء واهتمام المتأخرين بتصنيفها.
يقول الإمام الذهبي ـ رحمه الله ـ: " خرج يوسف بن خليل المتوفى سنة 555هـ أجزاء عوالي: عوالي هشام بن عروة، وعوالي الأعمش، وعوالي ابن حنيفة، وعوالي أبي عاصم النبيل، وما اجتمع فيه أربعة من الصحابة " [1] . وجمع أبو نعيم الأصبهاني، صاحب كتاب الحلية ما وقع له عاليا من حديث أبي نعيم الملائي ـ وهو الفضل بن دكين ـ [1] سير أعلام النبلاء: 23/153: أما العوالي فجمع "علو" والعلو في الإسناد يكون بعدة اعتبارات، منها ظاهري ومنها معنوي: أما الأول: فمثلا أن يقل عدد رواته إما مطلقا أو نسبيا، والمعنوي فكأن يكون صاحب الحديث ومصدره من كبار الحفاظ الذين جمعوا بين الفقه والحديث، أو نحو ذلك.