وقد بذلك المحدثون في كلتا المرحلتين جهودا مضنية لصيانة السنة وحفظها، وذلك بتقعيدهم لقواعد تتناسب مع مقتضيات كل مرحلة، وتستجيب للمستجدات الطارئة في كل منهما، فأنتج حفاظ المرحلة الأولى من الأصول الضوابط ما يضمن لهم صدق الرواة في رواياتهم، وضبطهم لها، في حين وضع المحدثون في المرحلة الثانية أنواعا أخرى من القواعد والشروط تساعدهم على حفظ الدواوين والمصنفات من احتمال عبث بعض الوراقين وتحريف الناسخين.
فكانت العناية في المرحلة الأولى منصبة على نقلة الأخبار ورواتها، والبحث عن أحوالهم، والتفتيش في مروياتهم بعد جمعها ومقارنتها، حتى أصبح بمقدورهم تمييز الرجال، ومعرفة الثقات والضعفاء والمتروكين، والإطلاع على الأسانيد الصحيحة والضعيفة والمنكرة والواهية، وإبقاؤها في محفوظاتهم وسجلاتهم، واستحضارها دون وقوع التداخل بينهما أو الاختلاط.
وأما في المرحلة الثانية ـ مرحلة ما بعد الرواية ـ فقد توجه اهتمام المحدثين إلى وضع ضوابط جديدة، من شأنها حفظ المدونات من التصحيف والتحريف والانتحال، ونقلها إلى الأجيال اللاحقة كما وضعها مؤلفوها.
فمن أهم تلك الضوابط: إثبات المحدث حقية النقل والإفادة بأي نوع من أنواع التحمل والتحصيل، وأما حيازتها المجردة بشراء أو غيره، فليست كافية للتعامل معها رواية