بل إني لأتلمّس من وقوع السهو لمسلم في بعض ذلك أنه كان مستهينًا بخصمه غاية الاستهانة، وأنه كان عنده أقل وأدنى من أن يُنقّر له الأدلّة ويُصفِّي له الرويّة. ولو كان مسلم يرد على البخاري أو عليِّ بن المديني أو غيرهما من أئمة السنة، لرأيت غير ذلك، ولاختلف الأمر تمامًا.
لقد كان مسلمٌ متردّدًا في الردّ (كما ذكر) ، استخفافًا بذلك المبتدع المستحدث لذلك القول. ثم تصبّر على الردّ، وهو مُسْتَثْقِلُهُ، ولذلك لم يحزم له كُلّ حُمُولِهِ، ولا أعدَّ له كل عُدّته.
الدليل السادس: أنّ مسلمًا لم ينفرد بنقل الإجماع على قبول عنعنة المتعاصرين مع السلامة من التدليس، بل يوافقه على نقل الإجماع جَمْعٌ من أهل العلم، كلُّهم قبل القاضي عياض!!
فهل هؤلاء العلماء جميعهم (الآتي ذكرهم) غفلوا عن الخلاف في هذه المسألة الكبرى كما غفل مسلم؟!!
ولئن غفل مسلم -وعقلنا من ذلك ما لا يُعقل- فهل يغفل من جاء بعده ممن وقف على تلك الحملة الشديدة التي شنّها مسلم على خصمه؟
فأولهم: أبو الوليد الطيالسي (ت 227هـ) :
قال ابن رجب: ((قال الحاكم: قرأت بخط محمد بن يحيى: سألت أبا الوليد (هشام بن عبد الملك الطيالسي) : أكان شعبة يقرّق بين