المسألة السادسة: الردُّ على آخر شُبْهَتَيْنِ الشُّبْهَةُ الأُولى: أن العلماء الذين نسبوا شَرْطَ العلم بالسماع إلى البخاري إنما نسبوه إليه بناءً على استقراء تصرُّفاته في (الصحيح) وخارجه، فكيف تخالفُهم بغير استقراء؟!
والجواب عن ذلك:
أولاً: أثبتْ -يارعاك الله- أنهم نسبوا الذي نسبوه إلى البخاري بناءً على الاستقراء، هل زعموه هُمْ؟ أم أنتَ زعمته لهم؟!! أم أنّك تظنّ أن كل قولٍ لأهل العلم لا بُدَّ أن يكون مَبْنيًّا على استقراء؟! وأنّه لا دليل إلاّ الاستقراء؟! ثمّ ألا يمكن أن يُخطىء صاحبُ الاستقراء فيه؟ بلى، ولذلك نصُّوا على أن دلالته ظنيّة لا قطعيّة (1) ، ولذلك قد نخالف الاستقراء بدليلٍ أقوى منه، كالإجماع الذي نقله مسلم والحاكم وغيرهما.
أعود فأقول: ما دليلُك أنهم قاموا باستقراءٍ أَوْصَلَهُم إلى تلك النتيجة؟ اللهمّ إلا إن كان دليلك: أنهم لا يقولون قولاً إلا بناءً على استقراء!!! فقولُهم قولاً هو دليلُ استقرائهم الذي أخذوا من نتيجته ذلك القول!!! فيلزم من ذلك الدَّوْر، وهو باطل!!
(1) حيث إن الاستقراء هنا ليس استقراءً عقليًّا قطعيًّا، وإنما هو النوع الثاني من الاستقراء، وهو الاستقراء الناقص. وانظر البحر المحيط للزركشي (6/ 10- 11) .