فقد احتجّوا بما ذكره ابن حبان في ثقات أتباع أتباع التابعين، حيث ترجم لنافع بن يزيد المصري، ثم قال: ((ولست أحفظ له سماعًا عن تابعي، فلذلك أدخلناه في هذه الطبقة. فأمّا رؤيتُه للتابعين فليس بمنكر، لكنّ اعتمادنا في هذا الكتاب في تقسيم هذه الطبقات الأربع على ما صحّ عندنا من لُقِيّ بعضهم بعضًا مع السماع. فأمّا عند وجود الإمكان وعدم العلم به، فهو لا نقول به)) (1) .
وأُرْدِفُ حجتهم بنقلٍ آخر عن ابن حبان لم يذكروه، حيث قال في نفس الطبقة، وفي ترجمة مفضل بن مهلهل السعدي: ((لستُ أحفظ له عن تابعي سماعًا، فلذلك أدخلناه في هذه الطبقة، ولست أُنكر أن يكون سمع من أبي خالد والأعمش)) (2) .
فذهب المحتجّون بذاك النقل ونحوه أن ابن حبان لا يكتفي بإمكان اللقاء مع المعاصرة، وأنه يشترط العلم بالسماع.
لكن سياق كلام ابن حبان لا في الحكم بالاتّصال في حديث معيَّن أو في رواية راوٍ عن شيخ معيَّن، وإنما سياق كلامه في إدخال الراوي في طبقةٍ من الطبقات، والسياقان مختلفان تمامًا.
وبيانُ ذلك: أن إثبات كون الرجل من التابعين أو أتباعهم كإثبات كونه صحابيًّا، فكما لا يكفي في إثبات الصُّحبة مجرَّدُ المعاصرة واحتمالُ اللقاء وعدمُ استحالته (إذا لم يثبت اللقاء والسماع، كما في المخضرمين) ، فكذلك الأمر في التابعين وأتباعهم: لا يكفي في إثبات
(1) الثقات لابن حبان (9/ 209) .
(2) الثقات لابن حبان (9/ 183- 184) .