رابعًا: أبو الحسن القابسي (ت 403هـ) :
وقد سبق نَقْلُ عبارته، وما تضمّنتْهُ من الاكتفاء بما اكتفى به الإمامُ مسلمُ، باعتراف ابن رُشَيْد على ذلك! (1) الدليل العاشر: صحيح البخاري نَفْسُه.
فمع أنه قد سبق أن قلنا: إن صحيح البخاري لا ينفع أن يكون دليلاً على أن البخاري يشترط العلم باللقاء، حتى لو تحقّق فيه هذا الشرط، لأن البخاري أقام كتابه على: منهج الاحتياط، والمبالغة في التحرِّي، ومُجانبةِ مواطن الخلاف كُلَّ المجانبة= إلا أن صحيح البخاري (من جهةٍ أخرى) نافعٌ لنقض دعوى نسبة ذلك الشرط إلى البخاري، فيما لو وُجد حديثٌ واحدٌ (نعم. . حديثٌ واحدٌ فقط) لم يتحقّق فيه ذلك الشرط، لأنّ هذا الحديث الواحد دلَّنا على أن البخاري مع شدّة احتياطه وتَوَقِّيه لكتابه لم يَرَ في انتفاء ذلك الشرط ما يُخالفُ الصحّةَ والشروطَ التي أقام عليها كتابَه.
وقد قرّر صحّة هذا الدليل الحافظُ ابن حجر (قبل غيره) ، وهو المنافح عن صحيح البخاري، والذي لم يكن يُساوره أدنى شك في أن البخاري يشترط العلم باللقاء. فإنه قال مُجيبًا على الإمام مسلم: ((وإنما كان يتمُّ له النّقْضُ والإلزامُ لو رأى في صحيح البخاري حديثًا معنعنًا لم يثبت لُقِيّ راويه لشيخه فيه، فكان ذلك واردًا عليه)) (2) .
(1) انظر (104- 105) .
(2) النكت لابن حجر (2/ 598) .