ذَهَلَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا عَنْ ابن مسعود، وإنما ذَكَرَ عَنْهُ: التَّكْبِيرَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَفْهُومِهِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ مِنْ أَوَّلِ حَصَاةٍ، وَصَرَّحَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"[1]، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ مِنْ جِهَةِ مُسْلِمٍ: وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِ حَصَاةٍ، ثُمَّ كَانَ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرُوِيَ فِي "السُّنَنِ"[2] مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: رَمَقْت النَّبِيَّ عليه السلام فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِأَوَّلِ حَصَاةٍ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ: رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ عليه السلام قَطَعَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ رَمَى بِهَا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، قُلْت: هُوَ مَفْهُومُ مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، الْحَدِيثَ. وَتَقَدَّمَ صَرِيحًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ.
قَوْلُهُ: وَيَأْخُذُ الْحَصَى مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ، لَا مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ، لِأَنَّ مَا عِنْدَهَا مِنْ الْحَصَى مَرْدُودٌ، هَكَذَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ، فَيَتَشَاءَمُ بِهِ، قُلْت: فِيهَا أَحَادِيثُ: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"[3]، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" عَنْ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ الْجِمَارُ الَّتِي يُرْمَى بِهَا كُلَّ عَامٍ، فَتَحْسِبُ أَنَّهَا تَنْقُصُ، فَقَالَ: "إنَّهُ مَا يُقْبَلُ مِنْهَا رُفِعَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَرَأَيْتهَا أَمْثَالَ الْجِبَالِ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَيَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ لَيْسَ بِالْمَتْرُوكِ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" بِيَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، وَقَالَ: فِيهِ مَقَالٌ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ، فَإِنَّ أَبَا فَرْوَةَ يَزِيدَ بْنَ سِنَانٍ ضَعَّفَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، والدارقطني، وَغَيْرُهُمَا، وَتَرَكَهُ النَّسَائِيّ، [1] وفي "السنن الكبرى - في باب التلبية حتى يرمي جمرة العقبة بأول حصاة، ثم يقطع" ص 137 - ج 5، قال الشيخ: تكبيره مع كل حصاة، كالدلالة على قطعه التلبية بأول حصاة، كما روينا في حديث عبد الله بن مسعود. [2] عند البيهقي في "السنن" ص 137، وهو في "الصحيحين" من حديث ابن عباس: أن أسامة بن يزيد كان ردف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عرفة إلى مزدلفة، ثم أردف الفضل إلى منى، وكلاهما قال: لم يزل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبي حتى رمى جمرة العقبة، وفي رواية حتى بلغ الجمرة، ولكن في رواية النسائي: فلم يزل يلبي حتى رمى، فلما رمى قطع التلبية، راجع "تلخيص الحبير" ص 218. [3] عند الحاكم في "باب يرفع ما يقبل من أحجار الرمي" ص 486 - ج 1، وعند الدارقطني: ص 289 - ج 1، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ص 260 - ج 3: رواه في "الأوسط" وفيه يزيد بن سنان التميمي، وهو ضعيف، وقال الحافظ في "تلخيص الحبير" ص 218 - ج 1: قال البيهقي: وروي عن أبي سعيد موقوفاً، وعن ابن عمر مرفوعاً من وجه ضعيف، ولا يصح مرفوعاً، وهو مشهور عن ابن عباس موقوفاً عليه: ما تقبل منها رفع، وما لم يتقبل ترك، ولولا ذلك لسد ما بين الجبلين، وأخرجه إسحاق بن راهويه.