بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ يَسِيرٍ، بِحَيْثُ يُمْكِنُ عِدَّتُهَا لَمْ تَنْقَضِ فِي الْغَالِبِ[1]، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الرَّدُّ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ كَانَ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ: وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَكَابِرِهِمْ [2] فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَلِمَ بِتَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى رُجُوعَ الْمُؤْمِنَاتِ إلَى الْكُفَّارِ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، فَقَالَ: رَدَّهَا عَلَيْهِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ ابْنُ عَبَّاسٍ بِتَحْرِيمِ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى الْكُفَّارِ حِينَ عَلِمَ بِرَدِّ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ، فَقَالَ: رَدَّهَا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بَيْنَهُمَا فَسْخُ نِكَاحٍ، قَالَ: وَهَذَا فِيهِ سُوءُ ظَنٍّ بِالصَّحَابَةِ، وَرُوَاةِ الْأَخْبَارِ حَيْثُ نَسَبَهُمْ إلَى رِوَايَةِ الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ سَمَاعِهِمْ لَهُ، بَلْ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ مَعَاذَ اللَّهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي فِي الشِّرْكِ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَفِي الْإِسْلَامِ تَطْلِيقَةً، فَأَلْزَمَهُ الطَّلَاقَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَيُوسُفُ مَتْرُوكٌ، وَيَحْيَى ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ" أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أُمَّ حَكِيمٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ كَانَتْ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ، وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ، فَرَحَلَتْ إلَيْهِ امْرَأَتُهُ بِالْيَمَنِ، وَدَعَتْهُ إلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلَمَ، وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَايَعَهُ، فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ذَلِكَ، انْتَهَى. وَرُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ [3] ابْنَةُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ زَمَنَ الْفَتْحِ، فَلَمْ يُفَرِّقْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا، وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ حَتَّى أَسْلَمَ صَفْوَانُ، وَكَانَ بَيْنَ إسْلَامِهِمَا نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ، مُخْتَصَرٌ. [1] قال ابن الهمام في "الفتح" ص 511 - ج 2: وأيضاً يقطع بأن الفرقة وقعت بين زينب وبين أبي العاص بمدة تزيد على عشرة سنين، فإنها أسلمت بمكة في ابتداء الدعوة حين دعا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوجته خديجة وبناته، ولقد انقضت المدة التي تبين بها في دار الحرب مراراً، وولدت، ثم قال بعده: وما ذكر في الروايات من قولهم: وذلك بعد ست سنين، أو ثمان سنين، أو ثلاث سنين، فإنما ذلك من حين فارقته بالأبدان، وذلك بعد غزوة بدر، وأما البينونة فقبل ذلك بكثير، لأنها إن وقعت من حين آمنت فهو قريب من عشرين سنة إلى إسلامه، وإن وقعت من حين نزلت: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} وهي مكية، فأكثر من عشر، هذا غير أنه كان حابسها قبل ذلك إلى أن أسر فيمن أسر ببدر، وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مغلوباً على ذلك قبل ذلك، الخ. وقال شيخنا الحجة السيد "محمد أنور الكشميري" رحمه الله في "إملائه على الترمذي" ص 405: فيحمل ست سنين على ما بعد الهجرة، وأربع سنين على ما بعد بدر، وأسره أولاً، وسنتين على ما بعد أسره ثانياً، عند قفوله من الشام، انتهى. [2] قلت: هذا تعريض إلى ما حكى الطحاوي في "شرح الآثار" ص 150 - ج 2 عن محمد بن الحسن. [3] عند مالك في "الموطأ - باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته" ص 197، وفي "الاصابة" ص 187 - ج 2 عن ابن شهاب، قالوا: إنه هرب يوم فتح مكة، وأسلمت امرأته، وهي ناجية بنت الوليد بن المغيرة قال: فأحضر له ابن عمه عمير بن وهب أماناً من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انتهى.