6594 - (خ م) أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه - قال عبدُ الله بن الصامت: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غِفار، وكانوا يُحِلُّون الشهر الحرام قال: فخرجتُ أنا وأخي أُنَيْس وأمُّنا، فنزلنا على خالٍ لنا، فأكرمنا خالُنا وأحسنَ إلينا، فَحسدَنا قومُه، فقالوا: إنك إذا خرجتَ عن أهلِكَ خالَفَ إليهم أنيس، فجاء خالُنا فَنَثَا علينا الذي قيل له، فقلتُ: أمَّا ما مضى من معروفك، فقد كدَّرتَه، ولا جِمَاعَ لنا فيما بعد، فقرَّبْنا صِرْمَتَنَا، فاحتملنا عليها، وتغطَّى خالنا بثوبه، فجعل يبكي، فانطلقنا حتى نزلنا بحَضْرة مكة، فَنافَر أُنيس عن صِرْمَتِنا وعن مثلها، فأتيا الكاهِنَ فَخَيّرَ أُنَيْساً، فأتانا أنيس بصِرْمتِنا ومثلها معها، قال: وقد صلّيتُ يا ابن أخي قبل أن ألقى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- بثلاث سنين، قلتُ: لِمَنْ؟ قال: لله تعالى، قلتُ: فأين تَوَجَّهُ؟ قال: أتوجه حيث يُوجِّهُني رَبِّي أصَلِّي عشاء، حتى إذا كان من آخر الليل أُلقِيتُ كأني خِفاء، حتى تَعلُوَني الشمسُ، فقال أُنَيْس: إن لي حاجة بمكة، فاكفِني، فانطلق أُنَيْس، حتى أتى مكة، فراثَ عليَّ، ثم جاءَ، فقلتُ: ما صنعتَ؟ قال: لقيتُ رجلاً بمكةَ على دينِكَ يزعُمُ أن الله أرسلَه، قلتُ: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر، وكان أُنيس، أحدَ الشعراء، قال أنيس: لقد سمعتُ قولَ الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعتُ قوله على أقراء الشعر، فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر، والله إنه لصادق، -[52]- وإنهم لكاذبون، قال: قلتُ: فاكْفِني حتى أذهبَ فأنظُرَ، قال: فأتيتُ مكةَ فتضعَّفْتُ رجلاً منهم [1] ، فقلت: أين هذا الذي تدعونه الصّابئَ؟ فأشار إليَّ، فقال: الصَّابئ؟ فمال عَلَيَّ أهلُ الوادي بكل مَدَرة وعَظْم، حتى خررتُ مغشياً عليَّ، قال: فارتفعتُ [حين ارتفعتُ] كأني نُصُب أحمرُ، قال: فأتيت زَمْزَمَ، فَغَسَلْتُ عنِّي الدماءَ، وشَرِبْتُ من مائها، ولقد لبثتُ يا ابن أخي ثلاثين، بين ليلة ويوم، وما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنتُ حتى تكسَّرتْ عُكَنُ بطني، وما وجَدْتُ على كبدي سُخْفةَ جوع، قال: فبينما أهل مكة في ليلة قَمراءَ إضْحيانَ، إذ ضُرب على أصمختهم، فما يطوف بالبيت أحد، إلا امرأتان منهم تَدْعُوَان إسافا ونائلة، قال: فأتتا عَليَّ في طوافهما، فقلت: أنكحا أحدهما الأخرى، قال: فما تَناهتا عن قولهما، قال: فأتتا عليَّ، فقلتُ: هَن مثل الخشبة - غير أني لا أكْنِي - فانْطَلقتا تُوَلْوِلاَن، وتقولان: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا؟ قال: فاسْتَقبَلهما رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر، وهما هابِطان، قال: ما لكما؟ قالتا: الصَّابيُ بين الكعبة وأستارها، قال: ما قال لكما؟ قالتا: إنه قال لنا كلمة تملأ الفم، وجاء رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- حتى اسْتَلم الحجَر، وطاف بالبيت هو وصاحبُه، ثم صلى، فلما قضى صلاته، قال أبو ذرّ، فكنتُ أوَّلَ من حَيَّاه بتحية الإسلام، [قال: فقلت: السلام عليك يا رسول الله] فقال: وعليك ورحمةُ الله، ثم قال: ممن -[53]- أنت؟ قلت: من غِفار، قال: فأهْوَى بيده، فوضع أصابعه على جبهته، فقلتُ في نفسي: كره أن انْتَمَيْتُ إلى غِفار، فذهبتُ آخُذُ بيده، فَقَدَعني صاحبُه، وكان أعلمَ به مني، ثم رفع رأسه، فقال: متى كنت هاهنا؟ قال: [قلت] : كنتُ هاهنا منذ ثلاثين، بين ليلة ويوم، قال: فمن كان يُطعمك؟ قال: قلتُ: ما كان لي طعام إلا ماءُ زمزم، فَسَمِنْتُ حتى تكسَّرتْ عُكَنُ بطني، وما أجد على كبدي سَخْفَةَ جوعِ، قال: إنها مباركة، إنها طعامُ طُعْم، فقال أبو بكر: يا رسولَ الله، ائْذَنْ لي في طعامه الليلةَ، فانطلق رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر، وانطلقتُ معهما، ففتح أبو بكر باباً، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف، وكان ذلك أولَ طعام أكلته بها، ثم غَبَرْتُ ما غَبَرْتُ، ثم أتيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم-، فقال: إنه قد وُجِّهَتْ لي أرض ذات نخل، لا أراها إلا يَثْربَ، فهل أنت مُبلّغ عني قومَك، عسى الله أن ينفعَهم بك، ويأجُرَك فيهم؟ فأتيتُ أُنَيْسَاً، فقال: ما صَنَعْتَ؟ قلتُ: صنعتُ أني قد أسلمتُ وصدَّقتُ، قال: ما بي رغبة عن دينك، فإني قد أسلمتُ وصدَّقتُ، فأتينا أُمَّنا، فقالت: ما بي رغبة عن دينكما، فإني قد أسلمتُ وصدَّقت، فاحْتَمَلْنا حتى أتينا قومَنا غِفاراً، فأسْلَم نصفُهم، وكان يؤمُّهم أيْمَاءُ ابن رَحَضَة الغفاري، وكان سيِّدَهم، وقال نصفُهم: إذا قَدِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- المدينة أسلمنا، فَقَدِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-[المدينة] ، فأسلم نصفُهم الباقي، وجاءتْ -[54]- أسْلَمُ، فقالوا: يا رسول الله، إخوانُنا نُسلمُ على الذي أسلموا عليه، فأسلموا، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: «غِفَارُ غَفَر الله لها، وأسلَمُ سالمها الله» .
زاد بعض الرواة - بعد قول أبي ذر لأخيه: «فاكْفِني حتى أذْهَب فأنظرَ» - «قال: نعم، وكن على حذر من أهل مكة، فإنهم قد شَنِفُوا له وتَجَهَّموا» .
وفي رواية قال: «فتنافرا إلى رجل من الكهَّان، [قال] : فلم يزل أخي [أُنَيْس] يمدحه حتى غلبه، فأخذنا صِرْمته [فضممناها إلى صِرْمتنا] » .
أخرجه مسلم، وأعاد مسلم طرفاً منه، وهو قوله: «أسْلَمُ سالمها الله، وغِفَارُ غفر الله لها» .
وفي رواية البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس قال: «ألا أخبركم بإسلام أبي ذر؟ قلنا: بلى، قال: قال أبو ذر: كنتُ رجلاً من غفار، فبلغَنا أن رجلاً خرج بمكة يزعم أنه نبيّ، فقلتُ لأخي: انطلق إلى هذا الرجل فكلِّمْه، وائْتِني بخبره» .
وفي رواية: أنَّ ابن عباس قال: «لما بلغ أبا ذرّ مبعثُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- بمكة، قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي، فَاعْلَمْ لي عِلْمَ هذا الرجل الذي يزعم أنه نبيّ يأتيه الخبرُ من السماء، واسمع من قوله، ثم ائْتِني، فانطَلق حتى قَدِمَ مكة، وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر، فقال: رأيتُه يأمر بمكارم -[55]- الأخلاق، وكلاماً ما هو بالشِّعر، فقال: ما شَفَيْتَني فيما أردتُ، فتَزَوَّدَ وحمل شَنَّة له فيها ماء، حتى قَدِمَ مكةَ، فأتى المسجد، فالتمس النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- ولا يعرفُه، وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه الليل، فَاضْطَجَع، فرآه عليّ، فعرف أنه غريب، فلما رآه تَبِعه، فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثم احْتَمل قِرْبتَه وزاده إلى المسجد، فظل ذلك اليوم، ولا يرى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- حتى أمسى، فعاد إلى مَضْجَعِه، فمرَّ به عليّ، فقال: ما آن للرجل أن يعلم منزله؟ فأقامه فذهب [به] معه، ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان يوم الثالث فعل مثل ذلك، فأقامه عليّ معه، فقال: ألا تحدِّثني ما الذي أقْدَمَك هذا البلدَ؟ قال: إن أعطيتَني عهداً وميثاقاً لَتُرشِدَنِّي فعلتُ، ففعل، فأخبره، فقال: إنه حق، وهو رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- فإذا أصبحتَ فاتَّبعني، فإني إن رأيتُ شيئاً أخافه عليك قمتُ كأني أُرِيق الماءَ، فإن مضيتُ فاتَّبعني حتى تدخل مَدْخَلي، ففعل، فانطلق يَقْفُوه حتى دخل على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-، ودخل معه، فسمع من قوله، فأسلم مكانَه، فقال له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: ارْجِع إلى قومك فأخبرهم، حتى يأتيك أمري، فقال: والذي نفسي بيده، لأصْرُخَنَّ بها بين ظَهرانَيْهم، فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسولُ الله، وثار القومُ، فضربوه حتى أضْجَعوه، وأتى العبّاسُ، فأكبَّ عليه، وقال: ويلكم، ألستم -[56]- تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تُجَّاركم إلى الشام عليهم؟ فأنقَذه منهم، ثم عاد من الغد بمثلها، وثاروا إليه فضربوه، فأكبَّ عليه العباس فأنقذه» .
وفي الرواية الأخرى «أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- قال له لما أسلم: يا أبا ذر، اكْتم هذا [الأمر] ، وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورُنا فأقْبِلْ، قال: فقلت: والذي بعثك بالحق، لأصرُخَنَّ بها بين أظهرهم ... وذكر نحوه» .
قال: فكان هذا أول إسلام أبي ذر - رضي الله عنه - [2] .
S (نثا) الحديث ينثُوه نثواً: إذا أظهره.
(لا جماع) أي: لا مجامعة لنا معك ولا مُقام.
(صِرمتنا) الصِّرمة: القطعة من الإبل نحو الثلاثين.
(فنافر) المنافرة: المحاكمة تكون في تفضيل أحد الشيئين على الآخر، يقال: نافرته، فنفَرته، أي: حاكمته، فغلبته، ونفَّره الحاكم في المنافرة، أي: غَلَبه وحكم له.
(خِفاء) الخفاء بالخاء المعجمة وكسرها: كساء يطرح على السقاء -[57]- وبالجيم المضمومة - ما رمى به السيل مما يطفو على رأسه من زبد وغيره، والذي في الحديث هو الأول.
(فراث) راث فلان علينا: أبطأ.
(أقراء الشعر: طرائقه وأنواعه، واحدها: قرء - بفتح القاف.
(مدرة) المَدَرَة: الطينة المستحجرة.
(نصب) النُّصُب: الحجر أو الصنم الذي كانوا ينصبونه في الجاهلية ويذبحون عليه، فيحمر من كثرة دم القربان والذبائح، أراد: أنهم ضربوه حتى أدموه، فصار كأنه نُصُب أحمر.
(سَخفة جوع) سَخفة الجوع: رقته وهزاله.
(ليلة إضحيان) وإضحيانة، أي: مضيئة لا غيم فيها، فقمرها ظاهر يظيئُها.
(ضرب على أصمختهم) الأصمخة: جمع صماخ، وهو ثقب الأذن، والضرب هاهنا: المنع من الاستماع، وذلك كناية عن النوم المفرط.
(إسافاً ونائلة) إساف ونائلة: صنمان تزعم العرب أنهما كانا رجلاً وامرأة زنيا في الكعبة فَمُسِخا.
(هَنٌ) الهن: عنى به الذَّكَر.
(لا أَكني) قوله: «غير أني لا أكني» يعني: أنه أفصح باسمه، ولم -[58]- يَكْنِ عنه، فيكون قد قال: أيْرٌ مثل الخشبة، فلما أراد أن يحكي قوله كنى فقال: «هَنٌ مثل الخشبة، غير أني لا أكني» .
(تولولان) الوَلولة: الاستغاثة والصياح.
(أنفارنا) الأنفار: الجماعة، أي: من أصحابنا وجماعتنا، وهو من النفر الذي هو من الثلاثة إلى العشرة.
(تملأ الفم) قولها: تملأ الفم، أي: أنها عظيمة.
(قَدَعته) لا يجوز أن يقال: قدعته، أي: منعته وكففته.
(طعامُ طعمٍ) يقال: هذا طعامُ طعم، أي: طعام شبع، يعني، أنه يُشْبِع ويكفُّ الجوع ويكفي منه.
(غبرت) الغابر هاهنا: الباقي، وهو من الأضداد.
(شَنِفوا له) أي: أبغضوه ونفروا منه، والشَّنَف: البغض، تقول: شنِفتُه، وشنِفت له.
(تجهَّموا) تجهمت لفلان، أي: تنكَّرْتُ له واستقبلته بما يكره، وفلان جهم المحيَّا، أي: كريه المنظر.
(الشَّنَّة) : الزق البالي الذي يحمل فيه الماء. [1] أي: نظرت إلى أضعفهم فسألته. [2] رواه البخاري 7 / 132 و 133 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب قصة إسلام أبي ذر، وفي الأنبياء، باب قصة إسلام أبي ذر، ومسلم رقم (2473) في فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه.
Mصحيح: أخرجه أحمد (5/174) قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة. وفي (5/175) قال: حدثنا هدبة، قال: حدثنا سليمان بن المغيرة. والدارمي (2527) و (2642) قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة، قال: حدثنا سليمان بن المغيرة. والبخاري في الأدب المفرد (1035) قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة. قال: حدثنا سليمان بن المغيرة. ومسلم (7/152 و 176) قال: حدثنا هداب ابن خالد الأزدي. قال: حدثنا سليمان بن المغيرة. وفي (7/155) قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي. قال: أخبرنا النضر بن شميل. قال: حدثنا سليمان بن المغيرة. (ح) وحدثنا محمد بن المثنى العنزي، قال: حدثنا ابن أبي عدي. قال: أنبأنا ابن عون. والنسائي في عمل اليوم والليلة (339) قال: أخبرنا محمد بن إدريس، قال: حدثنا آدم. قال: حدثنا سليمان بن المغيرة.
كلاهما - سليمان بن المغيرة، وعبد الله بن عون - عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، فذكره الروايات ألفاظها متقاربة، ومطولة ومختصرة.
والبخار (3861) قال: حدثني عمرو بن عباس، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا المثنى، عن أبي جمرة، عن ابن عباس، فذكره.