عمرو بن عَبَسَة السُّلَمِي - رضي الله عنه-
6665 - (م) أبو أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: «قال عمرو بن عَبَسَةَ السُّلَميُّ: كُنْتُ وأنا في الجاهلية أظُنُّ أنَّ الناس على ضلالة، وأنهم لَيْسُوا على شيء، وهم يَعْبُدُون الأوثان، فسمعتُ برَجُل بمكةَ يُخْبِرُ -[117]- أخْباراً، فَقَعَدْتُ على رَاحِلتي، فَقَدِمْتُ عليه، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مُسْتَخْفِياً، حِرَاء [1] ، عليه قومه، فَتَلَطَّفتُ، حتى دخلت عليه بمكة، فقلت له: ما أنتَ [2] ؟ فقال: أنا نبي، فقلت: وما نبي؟ قال: أرسلني الله، فقلت: فَبِأيِّ شيء [أرسلك] ؟ قال: [أرسلني] بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يُوَحَّدَ الله ولا يشرك به شيء، قلت له: فمن معك على هذا؟ قال: حُر وعبد، قال: ومعه يومئذ مِمَّنْ آمَنَ به: أبو بكر وبلال، قلتُ: إنِّي مُتَّبِعُك، قال: إنك لا تستطيع ذلك يومَك هذا، ألا ترى حالي وحالَ الناس؟ ولكن ارجع إلى أهلك، فإذا سمعتَ بي قد ظهرتُ فائتني، قال: فذهبتُ إلى أهلي، وقدِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- المدينةَ، وكنتُ في أهْلي، فجعلتُ أتخبَّر الأخبار، وأسأل الناس حين قَدِمَ المدينة، حتى قدم عليَّ نَفَر من أهل يثرب [من أهل المدينة] فقلت: ما فعل هذا الرجل الذي قَدِمَ المدينة؟ فقالوا: الناسُ إليه سِرَاع، وقد أراد قومه قَتْلَهُ، فلم يستطيعوا ذلك، فقدمتُ المدينة، فدخلتُ عليه فقلت: يا رسولَ الله، أتعرفني؟ قال: نعم، أنتَ الذي لقيتَني بمكة؟ [قال: فقلت: بلى] فقلتُ: يا رسولَ الله، أخبرني عَمَّا علَّمك الله وأجهلُه [3] أخبرني عن الصلاة؟ قال: صَلِّ صلاة الصبح، ثم أقْصِرْ عن الصلاة -[118]- حتى تطلع الشمس، حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلُع بين قَرْنَي شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صلِّ، فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى يستقلَّ الظِّل بالرُّمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإن حينئذ تُسْجَرُ جهنمُ، فإذا فاء الفيء فصلِّ فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى تصلِّيَ العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغربَ الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، قال: ثم صَلِّ ما بدا لك، فقلت: يا نبيَّ الله فالوضوء حدِّثني عنه، قال: ما منكم من رجل يُقَرِّب وَضوءه فيُمضمضُ ويستنشق ويستنثر إلا خَرّت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه مع الماء، ثم إذا غسل وجهه، كما أمره الله تعالى، إلا خَرَّت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، أو مع آخر قطرة من الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خَرَّت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرَّت خطايا رأسه من أطراف شعره ومن أُذنيه مع الماء، ثم يَغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامل رجليه مع الماء، فإن هو قام فصلَّى، فحمد الله وأثنى عليه، ومجَّده بالذي هو له أهل، وفَرَّغ قلبه لله في صلاته، إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه» .
فحدَّث عمرو بن عبَسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحبَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال له أبو أمامة: يا عمرو، انظر ما تقول؟ [في مَقام واحد يعطى هذا الرجل؟] فقال [عمرو: يا أبا أمامة] ، لقد كَبِرَت سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، واقترب -[119]- أجلي، وما بي حاجة أن أكذبَ على الله، و [لا] على رسوله، ولو لم أسمعْهُ منه إلا مرتين أو ثلاثاً - حتى عدّ سبعاً - ما حدَّثتُ به أبداً، ولكنِّي سمعته منه أكثر من ذلك. أخرجه مسلم [4] .
S (حِرَاء) قوم حِرَاء: غضاب مغمومون قد انتقصهم أمرٌ، وعيل صبرهم به حتى أثَّر في أجسامهم، وهو من قولهم: حَرَى جسمه يَحْرِي: إذا نقص من ألم وغمّ.
(مشهودة) تشهدها الملائكة ويحضُرونها.
(يستقل الظل بالرمح) استقلال الظل بالرمح: كناية عن وقت الظهر، وهو أن يصير الظل مثل ذي الظل.
(تسجر) سَجَرت النار: إذا أوقدتها.
(قرني شيطان) قرنا الشيطان: كناية عن جنبي رأسه، وقيل: هو مَثل، معناه: أنه في هذا الوقت يتحرك الشيطان فيتسلط، وقيل: القرن: القوة.
(فاء) الفيء: أي رجع من جانب الغرب إلى جانب الشرق.
(مجدَّه) التمجيد: التعظيم، و «المجيد» الكريم الشريف. [1] في نسخ مسلم المطبوعة: جرآء، بوزن علماء، جمع جريء، أي: متسلطين غير هائبين له، قال المصنف في " النهاية ": هكذا رواه وشرحه بعض المتأخرين، والمعروف: حِرَاء. [2] هكذا هو في الأصول " ما أنت " ولم يقل: من أنت، لأنه سأله عن صفته، لا عن ذاته، الصفات مما لا يعقل. [3] وفي هامش الأصل: وفي نسخة لمسلم: مما علمك الله وأجهله. [4] رقم (832) في صلاة المسافرين، باب إسلام عمرو بن عبسة.
Mصحيح: أخرجه مسلم (1/569) قال: حدثني أحمد بن جعفر المعقري، قال: حدثنا النضر بن محمد، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثنا شداد بن عبد الله وأبو عمار، ويحيى بن أبي كثير، عن أبي أمامة، فذكره.