الكتاب السادس: في الغِنَاء واللَّهْو
6223 - (خ م س) عائشة - رضي الله عنها – قالت: «دخل عليّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- وعندي جاريتان تُغنِّيان بغِناءِ بُعَاث، فاضطجع على الفراش، وحوَّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مِزْمَارَةُ الشيطان عند النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-؟ فأقبل عليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: دَعهما، فلما غَفَل غَمَزْتُهما فخرجتا، وكان يومَ عيد، يلعبُ السُّودان بالدَّرَق والحِرَاب، فإما سألتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم-، وإما قال: تَشْتَهين تنظرين؟ قلتُ: نعم، فأقامني وراءه، خَدِّي على خَدِّه، وهو يقول: دُونَكم يا بني أَرْفِدَةَ، حتى إِذا مَلِلْتُ قال: حَسْبُكِ؟ قلتُ: نعم، قال: فاذهبي» .
وفي رواية قالت: «دَخل عليَّ أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأَنصار تُغَنِّيان بما تَقَاولَتْ به الأنصار يوم بُعَاث، قالت: ولَيْسَتا بمُغَنِّيَتَين، فقال أبو بكر: أَبِمَزْمُور الشيطان في بيْت رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-؟ وذلك يومَ عيد، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: إنَّ لكل قوم عيداً، وهذا عيدُنا»
وفي أخرى «أن أبا بكر دخل عليها، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم- عندها يومَ فِطْر، -[454]- أو أضحى، وعندها قَيْنَتَان تُغنِّيَان بما تَقَاذَفَتْ بِه الأنصارُ يوم بُعاث، فقال أبو بكر: مزمار الشيطان؟ - مرتين - فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: يا أبا بكر؛ إِنَّ لكل قوم عيداً، وإن عيدنا هذا اليوم» .
وفي أخرى «أن أبا بكر دخل عليها، وعندها جاريتان في أيام مِنى تُدَفِّفان وتضربان، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم- مُتَغَشّ بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- عن وجهه، فقال: دَعْهما يا أبا بكر، فإنها أيام عيد، وتلك الأيامُ أيامُ مِنى، وقالت عائشة: رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- يَسْتُرني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: أمْناً يا بني أرْفِدَةَ - يعني من الأمن» .
وفي رواية نحوه، وفيه «تغنّيان وتضربان» ، وفيه «وأنا جارية، فَاقْدِروا قَدْرَ الجاريةِ العَرِبَةِ الحديثةِ السِّنّ» أخرجه البخاري ومسلم.
وأخرج النسائي نحو الرواية التي فيها ذِكرُ أيام مِنى، إلى قوله: «وهي أيام منى» وزاد «ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- بالمدينة» .
وله في أخرى قالت: «دخلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- عليها وعندها جاريتان تضربان بدُفَّيْن، فَانْتَهَرهما أبو بكر، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: دَعْهنّ، فإن لكل قوم عيداً» [1] . -[455]-
S (يوم بُعَاث) : يوم كان فيه حرب بين الأوس والخزرج قبيل الإسلام، وهو بالعين غير المعجمة، وقد روي بالعين المعجمة، وليس بالكثير.
(فانتهرني) انتهرني، أي: زَبَرَني.
(تغنِّيان) أراد بالغناء هاهنا: أنهما كانتا تنشدان شعراً قبل يوم بعاث، ولم يُرد الغِنَاء الذي هو ذِكْر الخَنا والفحش والتعرُّض بالنساء، وما يُسمِّيه أهل الخنا الغِناء، والعرب تقول: سمعت فلاناً يُغَنِّي بهذا الحديث، أي يجهر به، ولا يُورِّي ولا يكني، وإلى هذا ذهب بعضهم: ليس مِنَّا من لم يتغنَّ بالقرآن، أي: يجهر به، وقد جاء ذلك في بعض الروايات، وهو مذكور في بابه، فكلُّ من رفع صوته بشيء ووالى به مرَّة بعد مرَّة، فصوته عند العرب غِناء، وأكثره فيما ساق من صوت، أو شجى من نغمة ولحن، ولذلك قيل: غَنَّت الحمامة، تغنَّى الطائر، وكذلك جعلوا صَلْصَلَة الحديد وأطيط الرَّحْل غِناء في أشعارهم، وقد رخص عمر بن الخطاب في غِناء -[456]- الأعراب، قال: وهو صوت كالحُداء.
(يا بني أرفِدَة) بنو أرفدة: جنس من الحبش يرقصون.
(تقاذفت) أي: تشاتمت، وهو ما كانوا يقولونه من الأشعار عند المحاربة والمبارزة.
(فاقدُروا قدرَ الجارية) أي: قَدِّروا قدرها، وقيسوا أمرها، وأنها مع حداثتها وشهوتها النظر وحرصها عليه، كيف مسَّها الضجر والإعياء، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- لم يمسَّه شيء من ذلك، حفظاً لقلبها، ورفقاً بها.
(العَرِبة) هي المرأة الطيِّبة النفس، الحريصة على اللهو. [1] رواه البخاري 2 / 366 - 370 في العيدين، باب الحراب والدرق يوم العيد، وباب سنة -[455]- العيدين لأهل الإسلام، وباب إذا فاته العيد يصلي ركعتين، وفي الجهاد، باب الدرق، وفي الأنبياء، باب قصة الحبش، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة، وفي النكاح، باب حسن المعاشرة مع الأهل، وباب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة، ومسلم رقم (892) في العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه، والنسائي 3 / 195 - 197 في العيدين، باب اللعب في المسجد يوم العيد ونظر النساء إلى ذلك، وباب الرخصة في الاستماع إلى الغناء وضرب الدف يوم العيد.
Mصحيح:
1- أخرجه أحمد (6/33 و 127) قال: حدثنا محمد بن جعفر. قال: حدثنا معمر. وفي (6/84) قال: حدثنا أبو المغيرة. قال: حدثنا الأوزاعي. والبخاري (2/29) و (4/225) قال: حدثنا يحيى بن بكير. قال: حدثنا الليث، عن عقيل. ومسلم (3/21) قال: حدثني هارون بن سعيد الأيلي. قال: حدثنا ابن وهب. قال: أخبرني عمرو. والنسائي (3/195) قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد. قال: حدثنا محمد بن جعفر. عن معمر. وفي (3/196) قال: أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله. قال: حدثني أبي. قال: حدثني إبراهيم بن طهمان، عن مالك بن أنس. وفي الكبرى «تحفة الأشراف» (16514) عن محمد بن عبد الله بن عمار، عن المعافى، عن الأوزاعي. (ح) وعن إسحاق بن إبراهيم، عن عيسى بن يونس، عن الأوزاعي. خمستهم - معمر، والأوزاعي، وعقيل بن خالد، وعمرو بن الحارث، ومالك - عن ابن شهاب الزهري.
2 - وأخرجه أحمد (6/99) قال: حدثنا محمد بن جعفر. قال: حدثنا شعبة. وفي (6/134) قال: حدثنا عفان. قال: حدثنا حماد بن سلمة. والبخاري (2/21) قال: حدثنا عبيد بن إسماعيل. قال: حدثنا أبو أسامة. وفي (5/86) قال: حدثني محمد بن المثنى. قال: حدثنا غندر. قال: حدثنا شعبة. ومسلم (3/21) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. قال: حدثنا أبو أسامة (ح) وحدثناه يحيى بن يحيى وأبو كريب، جميعا عن أبي معاوية. وابن ماجة (1898) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. قال: حدثنا أبو أسامة. أربعتهم - شعبة، وحماد بن سلمة، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وأبو معاوية الضرير - عن هشام بن عروة.
كلاهما - الزهري، وهشام - عن عروة بن الزبير، فذكره.
(*) الروايات ألفاظها متقاربة، وأثبتنا لفظ رواية أبي أسامة، عن هشام بن عروة، عند مسلم (3/21) .
- وعن عروة، عن عائشة قالت:
«دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش. وحول وجهه. فدخل أبو بكر فانتهرني ... » .
أخرجه البخاري (2/20) قال: حدثنا أحمد بن عيسى. وفي (4/47) قال: حدثنا إسماعيل. ومسلم (3/22) قال: حدثني هارون بن سعيد الأيلي ويونس بن عبد الأعلى.
أربعتهم - أحمد، وإسماعيل بن أبي أويس، وهارون بن سعيد، ويونس بن عبد الأعلى - قالوا: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو، أن محمد بن عبد الرحمن الأسدي حدثه، عن عروة، فذكره.