نام کتاب : التلخيص الحبير - ط العلمية نویسنده : العسقلاني، ابن حجر جلد : 1 صفحه : 390
وَصَلَّى الْعَصْرَ فَقِيلَ لَهُ أَتَتَيَمَّمُ وَجُدْرَانُ الْمَدِينَةِ تَنْظُرُ إلَيْكَ فَقَالَ أَوْ أَحْيَا حَتَّى أَدْخُلَهَا ثُمَّ 1
= وشرع التيمم في غزوة المريسيع، وهي غزوة بني المصطلق التي كانت في شعبان سنة خمس، حينما سقط عقد السيدة عائشة- رضي الله عنها- فاحتبس الناس. على طلبه، وليس معهم ماء، ففي الحديث عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها قالت:
"وخرجنا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء، أو بذات الحبيش "موضعان بين المدينة وخيبر" انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء, وليس معهم ماء فأتى الناس إلى أبي بكر، فقالوا: ألا ترى إلى ما صنعت عائشة.
أقامت برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والناس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر رضي الله عنه ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال:
حبست رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على فخذي، فقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله عز وجل آية التيمم: {فَتَيَمَّمُوا} .
قال أسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، فقالت عائشة: "فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا الفقد تحته". رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم، فقال أسيد بن الحضير: جزاك الله خيراً، فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجاً، والسر في ذلك يرجح إلى أمور:
الأول: أن الله سبحانه وتعالى لما علم من النفس الأمارة الكسل، والميل إلى ترك الطاعة، والعبادة، شرع لها التيمم عند عدم الماء، لئلا تعتاد ترك العبادة، فيصعب عليها محاودتها عند وجوده.
الثاني: ما فيه من التذلل والانكسار، وتهذيب النفس. وخضوعها بقبولها تعفير أشرف عضو في الإنسان، وهو الوجه بأخس الأشياء، وهو التراب.
الثالث: ما فيه من نعمة التخفيف، والترخيص، وعدم الحرج والضيق المشار لها بقوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي: ما يريد الله بمشروعية التيمم لكم ليجعل عليكم من حرج أي: ضيق، فلذا سهل لكم، ولم يعشر عليكم، بل أباح لكم التيمم عند المرض، وعند فقد الماء؛ توسعة عليكم ورحمة بكم، ولكن يريد ليطهركم من الذنوب، وليتم بذلك نعمته عليكم بالتخفيف، ودفع الحرج والضيق عنكم لعلكم تشكرون هذه النعمة بطاعتكم إياه، فيما أمركم به، ونهاكم عنه.
وإنما خص الله الصعيد بالتيمم، فجعله مطهراً بدل الماء، لكونهما أخوين؛ إذ بهما حياة كل حيوان ونبات، وهما أعم الأشياء وجوداً، وأسهلها تناولاً.
واقتصر فيه على الوجه، واليدين؟ لأن هذين العضوين هما اللذان ينزههما الإنسان غالباً عن ملامسة التراب، زيادة عن غيرهما ففي مسحهما بالتراب بعض الذلة والانكسار للنفس، وأيضاً إن وضع التراب على الرأس مكروه في المعتاد؟ لما كانت تفعله الجاهلية عند المصائب والنوائب.
والرجلان محل ملامسة التراب غالباً، فلا يظهر في مسحهما الذلة والانكسار.
ولم يفرق بين بدل الغسل، وبدل الوضوء، ويشرع التمرغ بدل الغسل، لأن التمرغ فيه بعض الحرج، فلا يصلح رافعاً للحرج بالكلية.
والدليل على مشروعية الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] فإن الله تعالى أمرنا بالتيمم في قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [المائدة: 6] وكل ما أمرنا الله به، فهو مشروع، فالتيمم مشروع.
وأما السنة: فأحاديث كثيرة؟ منها حديث البخاري: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "جعلت لنا الأرض مسجداً وطهوراً" فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بين في هذا الحديث أن الله جعل لنا الأرض مطهرة، فيصح التيمم عليها.
وأما الإجماع فقد أجمعت الأمة بأسرها على مشروعيته عند عدم الماء.
وهو من خصائص هذه الأمة المحمدية، كما يرشد إلى ذلك الحديث.
نام کتاب : التلخيص الحبير - ط العلمية نویسنده : العسقلاني، ابن حجر جلد : 1 صفحه : 390