responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 9  صفحه : 3737
هَذَا وَقَدْ سَبَقَ لَنَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ الْوَحْيَ كَانَ يَأْتِيهِ عَلَى صِفَتَيْنِ. أَوَّلُهُمَا أَشَدُّ مِنَ الْأُخْرَى، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يُرَدُّ فِيهَا مِنَ الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ إِلَى الْأَوْضَاعِ الْمَلَكِيَّةِ، فَيُوحَى إِلَيْهِ كَمَا يُوحَى إِلَى الْمَلَائِكَةِ، عَلَى مَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْأُخْرَى يُرَدُّ فِيهَا الْمَلَكُ إِلَى شَكْلِ الْبَشَرِ وَشَاكِلَتِهِ، فَكَانَتْ هَذِهِ أَيْسَرَ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ صَوْتٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ مُتَضَمِّنٌ لِلْمَعَانِي، مُدْهِشٌ لِلنَّفْسِ لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهَا إِيَّاهُ، وَلَكِنَّ الْقَلْبَ لِلْمُنَاسَبَةِ يُشْرَبُ مَعْنَاهُ، فَإِذَا سَكَنَ الصَّوْتُ أَفَاقَ النَّفَسُ، فَحِينَئِذٍ يَتَلَقَّى النَّفَسُ مِنَ الْقَلْبِ مَا أُلْقِيَ إِلَيْهِ، فَيَعِي عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِكَيْفِيَّةِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْرَارِ الَّتِي لَا يُدْرِكُهَا الْعَقْلُ. فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: إِنَّ مَا جَاءَ مِثْلَ ذَلِكَ مُجْرًى عَلَى ظَاهِرِهِ، وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ وَصُورَتُهُ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَمَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ، وَمَا يَتَنَاوَلُ هَذَا وَيُحِيلُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ إِلَّا ضَعِيفُ النَّظَرِ وَالْإِيمَانِ، إِذْ جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ وَدَلَائِلُ الْعُقُولِ لَا تُحِيلُهُ.
(قَالَتْ عَائِشَةُ) : قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا تَحْتَ الْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، سِيَّمَا إِذَا جَوَّزْنَا الْعَطْفَ بِحَذْفِ حَرْفِ الْعَطْفِ، وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ دَاخِلٍ تَحْتَهُ، بَلْ كَانَ ثَابِتًا بِإِسْنَادٍ آخَرَ ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيقِ تَأْيِيدًا لِأَمْرِ الشِّدَّةِ وَتَأْكِيدًا لَهُ. قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: هُوَ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَطْفٍ. (وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ) : بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ أَيْ: فَيَنْفَصِلُ الْوَحْيُ عَنْهُ وَالْحَالُ أَنَّ (جَبِينَهُ) أَيْ: مُقَدَّمَ وَجْهِهِ (لَيَتَفَصَّدُ) أَيْ: لَيَتَصَبَّبُ (عَرَقًا) . تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنِ الْفَاعِلِ، وَالْمَعْنَى لَيَسِيلُ عَرَقُهُ مِثْلَ سَيَلَانِ الدَّمِ مِنَ الْعَرَقِ الْمَفْصُودِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

5845 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ كُرِبَ لِذَلِكَ وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ» وَفِي رِوَايَةٍ: نَكَّسَ رَأْسَهُ، وَنَكَّسَ أَصْحَابُهُ رُءُوسَهُمْ، فَلَمَّا أُتْلِيَ عَنْهُ رَفَعَ رَأْسَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5845 - (وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أُنْزِلَ) : مَجْهُولٌ مِنَ الْإِنْزَالِ (عَلَيْهِ الْوَحْيُ) أَيْ: حِينَ أَوَّلِ إِنْزَالِهِ عَلَيْهِ (كُرِبَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: أَصَابَهُ الْكَرْبُ وَحَزِنَ (لِذَلِكَ) أَيْ: لِشِدَّةِ نُزُولِهِ وَصُعُوبَةِ حُصُولِهِ. قَالَ شَارِحٌ: الْكَرْبُ وَالْكُرْبَةُ الْغَمُّ الَّذِي يَأْخُذُ بِالنَّفْسِ يُقَالُ: كَرَبَهُ الْغَمُّ إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَالْمُسْتَكِنُّ فِي كَرْبٍ إِمَّا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ لِشِدَّةِ اهْتِمَامِهِ بِالْوَحْيِ كَمَنْ أَخَذَهُ غَمٌّ أَيْ لِسَبَبِ مَبْنَاهُ أَوْ مَعْنَاهُ، وَلِذَا قِيلَ لَهُ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 16] الْآيَةَ. قَالَ: أَوْ لِخَوْفِ مَا عَسَى يَتَضَمَّنُهُ الْوَحْيُ مِنَ التَّشْدِيدِ وَالْوَعِيدِ لِذَلِكَ، أَوِ الْمُسْتَكِنُّ الْوَحْيُ بِمَعْنَى اشْتَدَّ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَرْبِ الشِّدَّةُ. قُلْتُ: حِينَئِذٍ لَا يُلَائِمُهُ قَوْلُهُ: لِذَلِكَ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَهْتَمُّ بِأَمْرِ الْوَحْيِ أَشَدَّ الِاهْتِمَامِ، وَيَهَابُ مِمَّا يُطَالِبُ بِهِ مِنْ حُقُوقِ الْعُبُودِيَّةِ وَالْقِيَامِ بِشُكْرِ الْمُنْعِمِ، وَيَخْشَى عَلَى عُصَاةِ الْأُمَّةِ أَنْ يَنَالَهُمْ مِنَ اللَّهِ خِزْيٌ وَنَكَالٌ، فَيَأْخُذُهُ الْغَمُّ الَّذِي يَأْخُذُ بِالنَّفْسِ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يُوحَى إِلَيْهِ، وَيُحْتَمَلَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ كَرْبُ الْوَحْيِ وَشِدَّتُهُ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَرْبِ الشِّدَّةُ، وَإِنَّمَا قَالَ الصَّحَابِيُّ كُرِبَ لِمَا وَجَدَ مِنْ شَبَهِ حَالِهِ بِحَالِ الْمَكْرُوبِ وَقَوْلُهُ: (وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ) أَيْ: تَغَيَّرَ، وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي التَّغَيُّرِ مِنَ الْغَضَبِ، وَتَرَبَّدَ الرَّجُلُ أَيْ: تَعَبَّسَ.
(وَفِي رِوَايَةٍ: نَكَّسَ رَأْسَهُ) أَيْ: أَطْرَقَهُ كَالْمُتَفَكِّرِ (وَنَكَّسَ أَصْحَابُهُ رُءُوسَهُمْ) ، أَيِ: اتِّبَاعًا لَهُ وَتَأَدُّبًا مَعَهُ (فَلَمَّا أُتْلِيَ عَنْهُ) : بِضَمِّ هَمْزَةٍ فَسُكُونِ فَوْقِيَّةٍ وَكَسْرِ لَامٍ فَفَتْحِ تَحْتِيَّةٍ أَيْ: سُرِّيَ عَنْهُ وَكُشِفَ، كَأَنَّهُ ضَمَّنَ الْإِتْلَاءَ وَهُوَ الْإِحَالَةُ مَعْنَى الْكَشْفِ بِقَرِينَةِ عَنْ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْأُصُولِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي نُسَخِ الْمِشْكَاةِ غَيْرُهُ، وَالْمَعْنَى: فَلَمَّا ارْتَفَعَ الْوَحْيُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَوِ الْكَرْبُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (رَفَعَ رَأْسَهُ) . أَيْ: وَتَبِعَهُ أَصْحَابُهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أُتْلِيَ بِهَمْزَةٍ وَتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقَ سَاكِنَةٍ فَلَامٍ فَيَاءٍ، هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ نُسَخِ بِلَادِنَا، وَمَعْنَاهُ ارْتَفَعَ عَنْهُ الْوَحْيُ، هَكَذَا فَسَّرَهُ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَغَيْرُهُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أُجْلِيَ بِالْجِيمِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاهَانَ انْجَلَى بِالْجِيمِ وَمَعْنَاهُ أُزِيلَ عَنْهُ وَزَالَ عَنْهُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: ضَمَّنَ أُتْلِيَ مَعْنَى أَقْلَعَ فَعَدَّى بِعْنَ، وَيَنْصُرُهُ رِوَايَةُ شَرْحِ السُّنَّةِ: فَلَمَّا أَقْلَعَ عَنْهُ. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: قَوْلُهُ: فَلَمَّا أُتْلِيَ عَلَيْهِ كَذَا هُوَ فِي الْمَصَابِيحِ، وَأَرَى صَوَابَهُ: فَلَمَّا تُلِيَ عَلَيْهِ مِنَ التِّلَاوَةِ، وَإِنْ كَانَ أُتْلِيَ عَلَيْهِ مُحَقَّقًا، فَمَعْنَاهُ أُحِيلَ يُقَالُ: أَتْلَيْتُهُ أَحَلْتُهُ أَيْ: أُحِيلَ عَلَيْهِ الْبَلَاغُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَكَ إِذَا قَضَى إِلَيْهِ مَا نَزَلَ بِهِ، فَقَدْ أَحَالَ عَلَيْهِ الْبَلَاغَ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 9  صفحه : 3737
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست