responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 9  صفحه : 3728
ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ فِي قَوْلِهَا: (مِنَ الْوَحْيِ) : تِبْعِيضِيَّةٌ لَا بَيَانِيَّةٌ كَمَا قِيلَ أَيْ: أَوَّلُ مَا ابْتُدِئَ بِهِ مِنْ أَقْسَامِ الْوَحْيِ (الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ) : وَقَوْلُهُ (فِي النَّوْمِ) ، إِمَّا تَأْكِيدٌ وَإِمَّا فِي الرُّؤْيَا تَجْرِيدٌ، إِذِ الرُّؤْيَا مَا رَأَيْتَ فِي مَنَامِكَ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِي قَلْبِ النَّائِمِ أَوْ فِي حُرَّاسِهِ الْأَشْيَاءَ كَمَا يَخْلُقُهَا فِي الْيَقَظَةِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا يَمْنَعُهُ نَوْمٌ وَلَا غَيْرُهُ عَنْهُ، فَرُبَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي الْيَقَظَةِ، كَمَا رَآهُ فِي الْمَنَامِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ مَا رَآهُ عِلْمًا عَلَى أُمُورٍ أُخْرَى يَخْلُقُهَا فِي ثَانِي الْحَالِ، أَوْ كَانَ قَدْ خَلَقَهَا، فَيَقَعُ ذَلِكَ كَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْغَيْمَ عَلَامَةً لِلْمَطَرِ كَذَا حَقَّقَهُ الْعَلَّامَةُ الْكِرْمَانِيُّ، (فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا) : وَفِي نُسْخَةٍ الرُّؤْيَا (إِلَّا جَاءَتْ) أَيْ: تِلْكَ الرُّؤْيَا بِمَعْنَى أَثَرِهَا الدَّالِّ عَلَى تَحَقُّقِهَا (مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ) ، بِفَتْحِ الْفَاءِ وَاللَّامِ أَيْ: ضَوْئِهِ إِذَا انْفَلَقَ كَمَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ، وَالْمَعْنَى مُشَبَّهَةً بِضِيَائِهِ أَوْ مَجِيئًا مِثْلَهُ. قَالَ شَارِحٌ: الْفَلَقُ بِالتَّحْرِيكِ الصُّبْحُ بِعَيْنِهِ، وَحَسُنَ إِضَافَتُهُ إِلَى الصُّبْحِ، وَإِنْ كَانَتْ بِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ، لِكَوْنِهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ الْفَلَقُ عَلَى الصُّبْحِ، وَعَلَى الْمُطْمَئِنِّ مِنَ الْأَرْضِ، فَشَبَّهَتْ مَا جَاءَهُ فِي الْيَقَظَةِ مُوَافِقًا لِمَا رَآهُ فِي الْمَنَامِ بِالْفَلَقِ لِإِنَارَتِهِ، وَإِضَاءَتِهِ وَصِحَّتِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: شُبِّهَ مَا جَاءَهُ فِي الْيَقَظَةِ، وَوَجَدَهُ فِي الْخَارِجِ طِبْقًا لِمَا رَآهُ فِي الْمَنَامِ بِالصُّبْحِ فِي إِنَارَتِهِ وَوُضُوحِهِ، وَالْفَلَقُ الصُّبْحُ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي هَذَا الْمَعْنَى وَفِي غَيْرِهِ كَالْفَلَقِ فِي قَوْلِهِ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] وَغَيْرُ ذَلِكَ أُضِيفَ إِلَيْهِ لِلتَّخْصِيصِ وَالْبَيَانِ إِضَافَةِ الْعَامِ إِلَى الْخَاصِّ، كَقَوْلِهِمْ: عَيْنُ الشَّيْءُ وَنَفْسُ الشَّيْءِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لِلْفَلَقِ شَأْنٌ عَظِيمٌ، وَلِذَلِكَ جَاءَ وَصْفًا لِلَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ} [الأنعام: 96] وَأَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِرَبِّ الْفَلَقِ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنِ انْشِقَاقِ ظُلْمَةِ عَالَمِ الشَّهَادَةِ وَطُلُوعِ تَأْثِيرِ الصُّبْحِ بِظُهُورِ سُلْطَانِ الشَّمْسِ وَإِشْرَاقِهَا الْآفَاقَ، لِأَنَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةَ مُبَشِّرَاتٌ تُنْبِئُ عَنْ وُفُورِ أَنْوَارِ عَالَمِ الْغَيْبِ، وَآثَارِ مَطَالِعِ الْهَامَاتِ شَبَّهَ بِهِ الرُّؤْيَا الَّتِي هِيَ جُزْءٌ يَسِيرٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ، وَتَنْبِيهٌ مِنْ تَنْبِيهَاتِهَا لِمُشْتَرِكِي الْعُقُولِ عَلَى ثُبُوتِ النُّبُوَّةِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا سُمِّيَ نَبِيًّا لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ عَالَمِ الْغَيْبِ الَّذِي لَا تَسْتَقِلُّ الْعُقُولُ بِإِدْرَاكِهِ. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالُوا: إِنَّمَا ابْتَدَأَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرُّؤْيَا لِئَلَّا يَفْجَأَهُ الْمَلَكُ، وَيَأْتِيَهُ صَرِيحُ النُّبُوَّةِ بَغْتَةً فَلَا يَحْتَمِلُهَا قُوَى الْبَشَرِيَّةِ فَبُدِئَ بِتَبَاشِيرِ الْكَرَامَةِ وَصِدْقِ الرُّؤْيَا اسْتِئْنَاسًا. قُلْتُ: وَهُوَ مُقْتَضَى الْأُمُورِ التَّدْرِيجِيَّةِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَكَأَنَّ الرُّؤْيَا شُبِّهَتْ بِالْفَلَقِ الَّذِي هُوَ الصُّبْحُ، وَهُوَ مُقَدِّمَةُ طُلُوعِ الشَّمْسِ الْمُشَبَّهُ بِهِ إِتْيَانُ جِبْرِيلَ بِالْوَحْيِ الْمُنَزَّلِ الَّذِي هُوَ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ، ثُمَّ بَوْنٌ بَيْنَ النُّورِ الْحِسِّيِّ الْآفَاقِيِّ وَالنُّورِ الْعِلْمِيِّ الْخَلَّاقِيِّ.
(ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ) : بِالْمَدِّ أَيِ: الْخَلْوَةُ الْمُنَاسِبَةُ لِمَرْتَبَةِ التَّخْلِيَةِ عَنِ الْغَيْرِ الْمُقَدَّمَةُ عَلَى التَّحْلِيَةِ الْمُتَرَبِّعَةُ عَلَيْهَا بِثُبُوتِ نُورِ وُجُودِهِ وَظُهُورِ كَرَمِهِ وَجُودِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: الْخَلْوَةُ شَأْنُ الصَّالِحِينَ وَعِبَادِ اللَّهِ الْعَارِفِينَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلْوَةُ لِأَنَّ مَعَهَا فَرَاغَ الْقَلْبِ، وَهِيَ مُعِينَةٌ عَلَى التَّفَكُّرِ، وَبِهَا يَنْقَطِعُ عَنْ مَأْلُوفَاتِ الْبَشَرِ وَيَخْشَعُ قَلْبُهُ وَيَجْمَعُ هَمَّهُ، فَالْمُخْلِصُ فِي الْخَلْوَةِ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ مَا يُؤْنِسُهُ فِي خَلْوَتِهِ مِنْ تَعْوِيضِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ عَمَّا تَرَكَهُ لِأَجْلِهِ " وَاسْتَنَارَ قَلْبُهُ بِنُورِ الْغَيْبِ حِينَ تَذْهَبُ ظَلَمَةُ الشَّمْسِ، وَاخْتِيَارُ الْخَلْوَةِ لِسَلَامَةِ الدِّينِ وَتَفَقُّدِ أَحْوَالِ النَّفْسِ وَإِخْلَاصِ الْعَمَلِ اهـ. وَاخْتُلِفَ فِي أَفْضَلِيَّةِ الْخُلْوَةِ وَالْجُلْوَةِ وَالْخُلْطَةِ وَالْعُزْلَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِشُرُوطِهَا الْمُعْتَبَرَةِ فِي مَحَلِّهَا هِيَ الْأَفْضَلُ وَالْأَكْمَلُ لِلْمَصْلَحَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهَا الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ، وَاقْتِضَاءُ صِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ. (وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ) ، بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ مُذَكَّرٌ مَصْرُوفٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: مُؤَنَّثٌ غَيْرُ مَصْرُوفٍ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي الزَّاهِدُ صَاحِبُ الثَّعْلَبِيِّ وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمَا: الْعَوَامُّ يُخْطِئُونَ فِي حِرَاءٍ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: يَفْتَحُونَ الْحَاءَ وَهِيَ مَكْسُورَةٌ، وَيَكْسِرُونَ الرَّاءَ وَهِيَ مَفْتُوحَةٌ، وَيَقْصِرُونَ الْأَلِفَ وَهِيَ مَمْدُودَةٌ وَهُوَ جَبَلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ عَنْ يَسَارِ الذَّاهِبِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى مِنًى، وَقَالَ شَارِحٌ: هُوَ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ وَالْقَصْرُ خَطَأٌ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، فَيُصْرَفُ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَا يُصْرَفُ عَلَى الثَّانِي. أَقُولُ: وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّذْكِيرِ اعْتِبَارُ الْمَوْضِعِ وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ الْبُقْعَةِ. وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: حِرَاءٌ هُوَ بِالْمَدِّ وَكَسْرِ أَوَّلِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ رِوَايَةً، وَحُكِيَ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ جَوَازًا لَا رِوَايَةً، وَعِنْدَ الْأَصِيلِيِّ بِالْفَتْحِ

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 9  صفحه : 3728
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست