responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 9  صفحه : 3647
ثُمَّ قَوْلُهُ: (طُبِعَ كَافِرًا) أَيْ: خُلِقَ الْغُلَامُ عَلَى أَنَّهُ يَخْتَارُ الْكُفْرَ، فَلَا يُنَافِي خَبَرَ: " «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» " إِذِ الْمُرَادُ بِالْفِطْرَةِ اسْتِعْدَادُ قَبُولِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ شَقِيًّا فِي جِبِلَّتِهِ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي (الْكَامِلِ) ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي (الْكَبِيرِ) ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: " «خَلَقَ اللَّهُ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا فِي بَطْنِ أُمِّهِ مُؤْمِنًا، وَخَلَقَ فِرْعَوْنَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ كَافِرًا» ". وَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ أَنَّ «بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِي كُلِّ مَوْلُودٍ يُكْتَبُ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، وَعَلَى طَبَقَةٍ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَائَهُمْ} [محمد: 16] » قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ: فِيَ هَذَا حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَصِحَّةِ مَذْهَبِهِمْ فِي أَنَّ الْعَبْدَ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْفِعْلِ إِلَّا بِإِرَادَةِ اللَّهِ وَتَيْسِيرِهِ لَهُ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ لِلْعَبْدِ فِعْلًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَقُدْرَةً عَلَى الْهُدَى وَالضَّلَالِ، وَفِيهِ أَنَّ الَّذِينَ قُضِيَ لَهُمْ بِالنَّاسِ طَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَخَتَمَ عَلَيْهَا، وَجَعَلَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمَنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا، أَوْ حِجَابًا مَسْتُورًا، وَجَعَلَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرًا، وَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضًا، لِتَتِمَّ سَابِقَتُهُ وَتَمْضِيَ كَلِمَتُهُ، لَا رَادَّ لِحُكْمِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ أَطْفَالَ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ. قُلْتُ: الْأَوْلَى التَّفْصِيلُ بِأَنَّ مَنْ طُبِعَ مِنْهُمْ كَافِرًا يَكُونُ فِي النَّارِ، وَمَنْ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ، وَيُقَارَبُ الْقَوْلُ بِالتَّوَقُّفِ الَّذِي اخْتَارَهُ إِمَامُنَا الْأَعْظَمُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَاشَ) أَيْ: ذَلِكَ الْغُلَامُ بِأَنْ أَدْرَكَ الْكِبَرَ (لِأَرْهَقَ أَبَوَيْهِ) أَيْ: لَكَلَّفَهُمَا (طُغْيَانًا وَكُفْرًا) أَيْ: جُعِلَ سَبَبًا لِإِضْلَالِهِمَا، فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِلَّةَ قَتْلِهِ مُرَكَّبَةٌ مِنْ كَوْنِهِ طُبِعَ كَافِرًا، وَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ عَاشَ لَكَانَ مُضِلًّا فَاجِرًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَمَّا كَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ يَكُونُ هُوَ مُؤْمِنًا. قُلْتُ: فَكَيْفَ يَجُوزُ قَتْلُ الْمُؤْمِنِ؟ قَالَ: فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْغُلَامَ لَوْ بَلَغَ لَكَانَ كَافِرًا، وَلَوْ عَاشَ لَأَرْهَقَ أَبَوَيْهِ. أَيْ: غَشِيَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا. أَيْ طُغْيَانًا عَلَيْهِمَا وَكُفْرًا لِنِعْمَتِهِمَا بِعُقُوقِهِ، أَوْ مَعْنَاهُ حَمَلَهُمَا أَنْ يَتْبَعَاهُ فَيَطْغَيَا.
قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، فَإِنْ قُلْتَ: خَوْفُ كُفْرِ أَحَدٍ فِي الْمَآلِ لَا يُبِيحُ قَتْلَهُ فِي الْحَالِ، فَكَيْفَ قَتَلَهُ الْخَضِرُ مِنْ خَوْفِ كُفْرٍ؟ قُلْتُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي شَرْعِهِمْ. قُلْتُ: تَقْرِيرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَقْرِيرُهُ مُوسَى صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، بَلْ عَلَى جَوَازِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي شَرْعِنَا لَوْ عُلِمَ قَطْعًا أَنَّهُ طُبِعَ كَافِرًا، كَمَا قَرَّرَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَبَطَلَ كَوْنُ الْغُلَامِ مُؤْمِنًا حِينَئِذٍ، إِذْ لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْمُؤْمِنِ مِنْ غَيْرِ جُنْحٍ إِجْمَاعًا فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ. قَالَ: أَوْ نَقُولُ هَذَا عِلْمٌ لَدُنِّيٌّ، وَلَهُ مَشْرَبٌ آخَرُ غَيْرُ الْمَعْهُودِ فِي الظَّاهِرِ، فَلَا نَشْتَغِلُ بِكَيْفِيَّتِهِ. قُلْتُ: لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الشَّرِيعَةِ وَالْحَقِيقَةِ فِي أَحْكَامِ الطَّرِيقَةِ، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا مِمَّنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى مَرْتَبَةِ الْجَمْعِ نُسِبَ إِلَى الزَّنْدَقَةِ، ثُمَّ إِنَّ الْأَمْرَ لَا يَخْلُوَ عَنْ أَحَدِ شَيْئَيْنِ: فَإِنَّ الْخَضِرَ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النُّبُوَّةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَمِلَهُ عَلَى وَفْقِ الشَّرِيعَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى عِلْمِهِ اللَّدُنِّيِّ، وَإِلْهَامِهِ الْغَيْبِيِّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الْعُظْمَى، وَالْبَلِيَّةِ الْكُبْرَى، ثُمَّ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ الْحِكْمَةِ فِي قَتْلِ الْخَضِرِ، وَكَأَنَّهُ خَرَجَ مَوْضِعُ الِاعْتِذَارِ عَنْهُ تَصْرِيحًا بِخِلَافِ مَا فِي الْآيَةِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى ذَلِكَ تَلْوِيحًا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

5712 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرُ لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ مِنْ خَلْفِهِ خَضْرَاءَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5712 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرُ) أَيْ: خَضِرًا، وَفِي نُسْخَةٍ بِنَصْبِهِ أَيْ إِنَّمَا سُمِّيَ الرَّجُلُ الْمَشْهُورُ الْخَضِرَ (لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ) ، فِي النِّهَايَةِ: الْفَرْوَةُ الْأَرْضُ الْيَابِسَةُ. وَقِيلَ: الْهَشِيمُ الْيَابِسُ مِنَ النَّبَاتِ. قُلْتُ: وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَمُؤَدَّاهُمَا مُتَّحِدٌ، وَاخْتَارَ شَارِحٌ الْقَوْلَ الثَّانِي فَقَالَ: الْمُرَادُ بِالْفَرْوَةِ الْهَشِيمُ الْيَابِسُ شَبَّهَهُ بِالْفَرْوِ، وَقِيلَ: الْأَرْضُ الْيَابِسَةُ، وَقِيلَ: جِلْدَةُ وَجْهِ الْأَرْضِ، وَقِيلَ: قِطْعَةُ نَبَاتٍ مُجْتَمِعَةٌ يَابِسَةٌ. قُلْتُ: هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَعَلَّ الثَّانِيَ مِنْ قَوْلَيِّ صَاحِبِ النِّهَايَةِ أَنْسَبُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: (فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ مَنْ خَلْفِهِ خَضِرًا) ؟ إِمَّا تَمْيِيزٌ أَوْ حَالٌ، فَكَأَنَّهُ نَظَرَ الْخَضِرُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَى مَجْلِسِهِ ذَاكَ، فَإِذَا هِيَ تَتَحَرَّكُ مِنْ جِهَةِ الْخُضْرَةِ وَالنَّضَارَةِ انْتَهَى. وَلَعَلَّهُ قَالَ: مِنْ خَلْفِهِ مَعَ أَنَّ النُّمُوَّ وَالِاهْتِزَازَ بِمَا كَانَ فِي مَوْضِعِ الْجُلُوسِ مِنْ تَحْتِهِ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ الْخُضْرَةَ زَادَتْ عَنِ الْمَجْلِسِ إِلَى انْتِهَاءِ الْفَرْوَةِ الْبَيْضَاءِ، ثُمَّ قَالَ شَارِحٌ: قَوْلُهُ " خَضِرًا " بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ مَعَ التَّنْوِينِ أَيْ نَبَاتًا أَخْضَرَ نَاعِمًا. وَرُوِيَ عَلَى زِنَةِ صَفْرَاءَ. قُلْتُ: وَهُوَ كَذَلِكَ فِي " أَكْثَرِ النُّسَخِ الْمَضْبُوطَةِ الْمُعْتَمَدَةِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ النُّسْخَةَ الْأُولَى لِمُنَاسَبَةِ وَجْهِ التَّسْمِيَةِ أَوْلَى لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْمَبْنَى وَالْمَعْنَى. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) . وَأَسْنَدَهُ السُّيُوطِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ بِعَيْنِهِ فِي (الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) إِلَى أَحْمَدَ، وَالشَّيْخَيْنِ، وَالتِّرْمِذِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 9  صفحه : 3647
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست