responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3518
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} [الحج: 1] أَيِ احْذَرُوا بِطَاعَتِهِ عِقَابَهُ حَتَّى تَرْجُوا ثَوَابَهُ {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1] وَالزَّلْزَلَةُ شِدَّةُ الْحَرَكَةِ عَلَى الْحَالَةِ الْهَائِلَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِيهَا فَقَالَ عَلْقَمَةُ وَالشَّعْبِيُّ: هِيَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ قَبْلَ قِيَامِهَا، وَقَالَ الْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: هِيَ تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: زَلْزَلَةُ السَّاعَةِ قِيَامُهَا، فَتَكُونُ مَعَهَا يَوْمَ تَرَوْنَهَا أَيِ السَّاعَةَ، أَوِ الزَّلْزَلَةَ تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ أَيْ تُشْغَلُ عَمَّا أَرْضَعَتْ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا أَيْ سَقَطَ وَلَدُهَا مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. قَالَ الْحَسَنُ: تَذْهَلُ الْمُرْضِعُ عَنْ وَلَدِهَا بِغَيْرِ فِطَامٍ، وَتَضَعُ الْحَامِلُ مَا فِي بَطْنِهَا مِنْ غَيْرِ تَمَامٍ، وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الزَّلْزَلَةَ تَكُونُ فِي الدُّنْيَا ; لِأَنَّ بَعْدَ الْبَعْثِ لَا يَكُونُ حَبَلٌ، وَمَنْ قَالَ تَكُونُ فِي الْقِيَامَةِ قَالَ: هَذَا عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ لِلْأَمْرِ لَا عَلَى حَقِيقَتِهِ، كَقَوْلِهِمْ: أَصَابَنَا أَمْرٌ يَشِيبُ فِيهِ الْوَلِيدُ، يُرِيدُ بِهِ شِدَّتَهُ. (قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ) ؟ وَلَمَّا اسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ الْأَمْرَ وَاسْتَشْعَرُوا الْخَوْفَ مِنْهُ، (قَالَ) أَيْ: فِي جَوَابِهِمْ تَسْلِيَةً لِفُؤَادِهِمْ (أَبْشِرُوا) ، قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَخْلُو هَذَا الِاسْتِفْهَامُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُجْرًى عَلَى حَقِيقَتِهِ، أَوْ يَكُونَ اسْتِعْظَامًا لِذَلِكَ الْحُكْمِ وَاسْتِشْعَارَ خَوْفٍ مِنْهُ، فَالْأَوَّلُ يَسْتَدْعِي أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ الْوَاحِدَ فُلَانٌ، أَوْ مُتَّصِفٌ بِالصِّفَةِ الْفُلَانِيَّةِ، وَالثَّانِي يَسْتَدْعِي أَنْ يُجَابَ بِمَا يُزِيلُ ذَلِكَ الْخَوْفَ رِفْقًا لِلنَّاسِ، وَالثَّانِي هُوَ الْمُرَادُ ; لِقَوْلِهِ: أَبْشِرُوا، وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَأَيُّنَا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ذَلِكَ النَّاجِي الْمُفْلِحُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ بَنِي آدَمَ، فَقَالَ: أَبْشِرُوا، (فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلًا، وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) : بِالْأَلِفِ وَيُهْمَزُ فِيهِمَا (أَلْفٌ) : بِالرَّفْعِ فِي الْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ، فَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ، وَقَدَّمَ الْجَارَّ لِكَوْنِ الْمُبْتَدَأِ نَكِرَةً، وَفِي نُسْخَةِ السَّيِّدِ عَفِيفِ الدِّينِ أَلِفًا بِالنَّصْبِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ; فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَالْمَجْرُورُ مُقَدَّمٌ، وَالْمَعْنَى: سَيُوجَدُ بِعَدَدِ كُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ أَلْفٌ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ; فَحِينَئِذٍ يَكْثُرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ أَهْلَ النَّارِ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَلَعَلَّ أَهْلَهَا يَكْثُرُونَ بِوُجُودِ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالْحُورِ الْعِينِ، فَصَحَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ: " «غَلَبَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي» "، زَادَ الْبَغَوِيُّ قَالَ: فَقَالَ النَّاسُ: اللَّهُ أَكْبَرُ.
(ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا) أَيْ: أَنْتُمْ أَيُّهَا الصَّحَابَةُ، أَوْ أَيُّهَا الْأُمَّةُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ (رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرْنَا) : التَّكْبِيرُ لِلْعَجَبِ وَالْفَرَحِ التَّامِّ، وَالِاسْتِبْشَارِ وَالِاسْتِعْظَامِ، (فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرْنَا) ، وَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَرَّجَ الْأَمْرَ ; لِئَلَّا تَنْقَطِعَ قُلُوبُهُمْ بِالْفَرَحِ الْكَثِيرِ دَفْعَةً، أَوْ بِالنَّظَرِ إِلَى دُخُولِهِمْ فِي دَفَعَاتٍ، أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ وَحْيًا بَعْدَ وَحْيٍ فَأَخْبَرَ بِمَا بُشِّرَ (فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرْنَا) ، قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي الْحَدِيثِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ دَاخِلُونَ فِي هَذَا الْوَعِيدِ، وَدَلَّ بِقَوْلِهِ: أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّ غَيْرَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ الْفَائِتَةِ لِلْحَصْرِ أَيْضًا دَاخِلُونَ فِي الْوَعِيدِ، فَإِذَا وُزِّعَ نِصْفُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ مِثْلِهِ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ عَلَى هَؤُلَاءِ يَكُونُ كَالْوَاحِدِ مِنَ الْأَلْفِ ; يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الرَّاوِي (قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ فَقَالَ: (مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلَّا كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ، أَوْ كَشَعْرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ) ، الظَّاهِرُ أَنَّ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ فِي التَّعْبِيرِ وَتَحْتَمِلُ الشَّكَّ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَوْلُهُمُ: اللَّهُ أَكْبَرُ مِرَارًا ثَلَاثًا مُتَعَجِّبِينَ اسْتِبْشَارٌ مِنْهُمْ، وَاسْتِعْظَامٌ لِهَذِهِ النِّعْمَةِ الْعُظْمَى وَالْمِنْحَةِ الْكُبْرَى، فَيَكُونُ فِي هَذَا الِاسْتِعْظَامِ بَعْدَ ذَلِكَ الِاسْتِعْظَامِ إِشَارَةٌ إِلَى فَوْزِهِمْ بِالْبُغْيَةِ بَعْدَ الْيَأْسِ مِنْهَا اهـ. وَلَعَلَّ وُرُودَ هَذَا الْحَدِيثِ قَبْلَ عِلْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ أُمَّتَهُ ثُلُثَا أَهْلِ الْجَنَّةِ ; إِذْ قَدْ وَرَدَ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ صَفًّا: ثَمَانُونَ صَفًّا أُمَّتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَرْبَعُونَ سَائِرُ الْأُمَمِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا نِصْفًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الدَّاخِلِينَ أَوَّلًا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَعَ مُخْتَصَرًا عَلَى مَا سَيَأْتِي الْحَدِيثُ بِطُولِهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3518
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست