responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3320
الْفَصْلُ الثَّانِي
5299 - عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
5299 - (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ ") وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ بِحَذْفِ إِحْدَى التَّائَيْنِ أَيْ: تَعْتَمِدُونَ (" عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ ") أَيْ: بِأَنْ تَعْلَمُوا يَقِينًا أَنْ لَا فَاعِلَ فِي الْوُجُودِ مَوْجُودٌ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ مِنْ خَلْقٍ وَرِزْقٍ، وَعَطَاءٍ وَمَنْعٍ، وَضُرٍّ وَنَفْعٍ، وَفَقْرٍ وَغِنًى، وَمَرَضٍ وَصِحَّةٍ، وَمَوْتٍ وَحَيَاةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَوْجُودِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَبِ عَلَى الْوَجْهِ الْجَمِيلِ، وَيَشْهَدُ بِذَلِكَ تَشْبِيهُهُ بِالطَّيْرِ، فَإِنَّهَا تَغْدُو خِمَاصًا، ثُمَّ تَسْرَحُ فِي طَلَبِ الْقُوتِ فَتَرُوحُ بِطَانًا (" لَرَزَقَكُمْ ") وَلَوْ تَرَكْتُمُ الْأَسْبَابَ فَإِنَّهُ يَرْزُقُ الْبُطَّالَ وَالْعُمَّالَ، وَقَدْ يَرْزُقُ الضَّعِيفَ بِحَيْثُ يَتَعَجَّبُ الْقَوِيُّ (" كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ ") : بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ (" تَغْدُو ") أَيْ: تَذْهَبُ أَوَّلَ النَّهَارِ (" خِمَاصًا ") : بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، جَمْعُ خَمِيصٍ أَيْ: جِيَاعًا (" وَتَرُوحُ ") أَيْ: تَرْجِعُ آخِرَ النَّهَارِ (بِطَانًا) : بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، جَمْعُ بَطِينٍ وَهُوَ عَظِيمُ الْبَطْنِ، وَالْمُرَادُ شِبَاعًا، وَفِي قَوْلِهِ: تَغْدُو إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ السَّعْيَ بِالْإِجْمَالِ لَا يُنَافِي الِاعْتِمَادَ عَلَى الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى جَلَّ جَلَالُهُ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} [العنكبوت: 60] فَالْحَدِيثُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْكَسْبَ لَيْسَ بِرَازِقٍ، بَلِ الرَّازِقُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، لَا لِلْمَنْعِ عَنِ الْكَسْبِ فَإِنَّ التَّوَكُّلَ مَحَلُّهُ الْقَلْبُ فَلَا يُنَافِيهِ حَرَكَةُ الْجَوَارِحِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَرْزُقُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ حَرَكَةٍ، بَلْ بِتَحْرِيكِ غَيْرِهِ إِلَيْهِ يَصِلُ رِزْقُ اللَّهِ بِبَرَكَتِهِ كَمَا يُسْتَفَادُ الْعُمُومُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] .
قَدْ حُكِيَ أَنَّ فَرْخَ الْغُرَابِ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ بَيْضَتِهِ يَكُونُ أَبْيَضَ، فَيَكْرَهُهُ الْغُرَابُ فَيَتْرُكُهُ وَيَذْهَبُ وَيَبْقَى الْفَرْخُ ضَائِعًا، فَيُرْسِلُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ الذُّبَابَ وَالنَّمْلَ، فَيَلْتَقِطُهُمَا إِلَى أَنْ يَكْبَرَ قَلِيلًا يَسْوَدَّ فَيَرْجِعَ إِلَيْهِ الْغُرَابُ، فَيَرَاهُ أَسْوَدَ فَيَضُمَّهُ إِلَى نَفْسِهِ فَيَتَعَهَّدَهُ، فَهَذَا يَصِلُ إِلَيْهِ رِزْقُهُ بِلَا سَعْيٍ، وَالْحِكَايَاتُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ وَالرِّوَايَاتُ بِهِ شَهِيرَةٌ.
وَمِنْ غَرَائِبِ مَا حُكِيَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ لِعِزْرَائِيلَ: هَلْ رَحِمْتَ عَلَى أَحَدٍ عِنْدَ نَزْعِ الْأَرْوَاحِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ يَا رَبِّ! حِينَ غَرِقَ أَهْلُ سَفِينَةٍ وَبَقِيَ بَعْضُ أَهْلِهِ عَلَى الْأَلْوَاحِ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بِوَلَدِهَا تُرْضِعُهُ فَوْقَ لَوْحٍ، فَأُمِرْتُ بِقَبْضِ رُوحِهَا فَرَحِمْتُ حِينَئِذٍ عَلَى وَلَدِهَا. قَالَ تَعَالَى: فَأَلْقَيْتُهُ عَلَى جَزِيرَةٍ وَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ أَسَدًا تُرْضِعُهُ إِلَى أَنْ كَبِرَ قَلِيلًا، ثُمَّ قَيَّضْتُ لَهُ بَعْضًا مِنَ الْجِنِّ لِيَعْلِّمَهُ لِسَانَ الْإِنْسِ إِلَى أَنْ نَشَأَ نَشْأَةً كَامِلَةً، وَدَخَلَ فِي الْعِمَارَةِ، وَحَصَلَ لَهُ الْإِمَارَةُ، وَوَصَلَ إِلَى مَرْتَبَةِ السَّلْطَنَةِ، وَأَحَاطَ بِجَمِيعِ الْمَمْلَكَةِ فَادَّعَى الْأُلُوهِيَّةَ، وَنَسِيَ الْعُبُودِيَّةَ وَحُقُوقَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَاسْمُهُ شَدَّادٌ، وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ، فَالرَّحِيمُ الَّذِي يَرْزُقُ أَعْدَاءَهُ كَيْفَ يَنْسَى أَحِبَّاءَهُ؟
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: قَدْ يُظَنُّ أَنَّ مَعْنَى التَّوَكُّلِ تَرْكُ الْكَسْبِ بِالْبَدَنِ، وَتَرْكُ التَّدْبِيرِ بِالْقَلْبِ، وَالسُّقُوطُ عَلَى الْأَرْضِ كَالْخِرْقَةِ الْمُلْقَاةِ أَوْ كَلَحْمٍ عَلَى وَضَمٍ، وَهَذَا ظَنُّ الْجُهَّالِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ فِي الشَّرْعِ، وَالشَّرْعُ قَدْ أَثْنَى عَلَى الْمُتَوَكِّلِ، فَكَيْفَ يُنَالُ مَقَامٌ مِنْ مَقَامَاتِ الدِّينِ بِمَحْظُورٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الدِّينِ؟ بَلْ نَكْشِفُ عَنِ الْحَقِّ فِيهِ، فَنَقُولُ: إِنَّمَا يَظْهَرُ تَأْثِيرُ التَّوَكُّلِ فِي حَرَكَةِ الْعَبْدِ وَسَعْيِهِ بِعَمَلِهِ إِلَى مَقَاصِدِهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ التَّوَكُّلَ مَحَلُّهُ الْقَلْبُ، وَأَمَّا الْحَرَكَةُ بِالظَّاهِرِ فَلَا تُنَافِي التَّوَكُّلَ بِالْقَلْبِ بَعْدَ مَا يَحِقُّ الْعَبْدُ أَنَّ الرِّزْقَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ تَعَسَّرَ شَيْءٌ فَبِتَقْدِيرِهِ، وَإِنْ تَيَسَّرَ شَيْءٌ فَبِتَيْسِيرِهِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) : وَكَذَا أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ.

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3320
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست