responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3247
وَقِيلَ: الزُّهْدُ عِبَارَةٌ عَنْ عُزُوبِ النَّفْسِ عَنِ الدُّنْيَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا لِأَجْلِ الْآخِرَةِ خَوْفًا مِنَ النَّارِ، أَوْ طَمَعًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ تَرَفُّعًا عَنِ الِالْتِفَاتِ إِلَى مَا سِوَى الْحَقِّ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ شَرْحِ الصَّدْرِ بِنُورِ الْيَقِينِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ الزُّهْدُ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ وَلَا جَاهٌ، وَقِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَا زَاهِدُ! قَالَ: الزَّاهِدُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِذْ جَاءَتْهُ الدُّنْيَا رَاغِمَةً فَتَرَكَهَا، وَأَمَّا أَنَا فَفِيمَ زَهَدْتُ؟ قُلْتُ: هَذَا بَيَانُ كَمَالِ الزُّهْدِ، وَإِلَّا فَأَصْلُ الزُّهْدِ هُوَ عَدَمُ الْمَيْلِ إِلَى الشَّيْءِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِجَذْبَةٍ إِلَهِيَّةٍ تَصْرِفُ السَّالِكَ عَنِ الْأُمُورِ الْفَانِيَةِ، وَتَشْغَلُ بِالْأَحْوَالِ الْفَانِيَةِ، وَغَايَتُهُ أَنَّ النَّفْسَ مُدَّعِيَةٌ لِلزُّهْدِ، وَلَا يَظْهَرُ صِدْقُهَا مِنْ كَذِبِهَا إِلَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الدُّنْيَا وُجُودِهَا، وَأَمَّا عِنْدَ فَقْدِهَا فَالْأَمْرُ دَائِرٌ بَيْنَ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَثَمَرَتُهُ الْقَنَاعَةُ مِنَ الدُّنْيَا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ مِنْ زَادِ الطَّرِيقِ، وَهُوَ مَطْعَمٌ يَدْفَعُ الْجُوعَ، وَمَلْبَسٌ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، وَمَسْكَنٌ يَصُونُهُ عَنِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَأَثَاثٌ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ. وَفِي الْمَنَازِلِ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الزُّهْدَ إِسْقَاطُ الرَّغْبَةِ فِي الشَّيْءِ عَنْهُ بِالْكُلْفَةِ، وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: الزُّهْدُ فِي الشُّبْهَةِ بِالْحَذَرِ عَنْ مَعْتَبَةِ الْحَقِّ عَلَيْهِ، ثُمَّ الزُّهْدُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْبَلَاغِ مِنَ الْقُوتِ بِاغْتِنَامِ التَّفَرُّعِ إِلَى عِمَارَةِ الْوَقْتِ بِالِاشْتِغَالِ بِالْمُرَاقَبَةِ، ثُمَّ الزُّهْدُ وَالزُّهْدُ بِاسْتِحْقَارِ مَا زَهَدْتَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَظَمَةِ الرَّبِّ، وَاسْتِوَاءِ الزُّهْدِ وَعَدَمِهِ عِنْدَهُ، وَالذَّهَابِ عِنْدَ اكْتِسَابِ أُجَرٍ بِتَرْكِهَا نَاظِرًا بِعَيْنِ الْحَقِيقَةِ إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الْفَاعِلِ الْحَقِّ، فَيُشَاهِدُ تَصَرُّفَ اللَّهِ فِي الْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ وَالْأَخْذِ وَالتَّرْكِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزُّهْدَ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ وَأَفْضَلُهَا، لِأَنَّهُ جَعَلَهُ سَبَبًا لِمَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ مُحِبَّ الدُّنْيَا مُتَعَرِّضٌ لِبُغْضِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) .
قَالَ مِيرَكُ: أَظُنُّ أَنَّ ذِكْرَ التِّرْمِذِيِّ وَقَعَ سَهْوًا مِنْ نُسَّاخِ الْكِتَابِ أَوْ مِنْ صَاحِبِهِ، فَإِنَّ الْحَافِظَ الْمُنْذِرِيَّ، وَالْإِمَامَ النَّوَوِيَّ، وَالشَّيْخَ الْجَزَرِيَّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا كُلُّهُمْ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فَقَطْ فَتَأَمَّلْ. قُلْتُ: ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي أَرْبَعِينِهِ أَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ. اه. لَكِنَّ التِّرْمِذِيَّ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْأُصُولِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ مِنْ قَوْلِهِ: ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا إِلَخْ. وَقَالَ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ. نَعَمْ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: " «الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَلَا إِضَاعَةِ الْمَالِ، وَلَكِنَّ الزَّهَادَةَ فِي الدُّنْيَا أَنْ لَا تَكُونَ بِمَا فِي يَدَيْكَ أَوْثَقَ مِنْكَ فِي يَدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْ تَكُونَ فِي ثَوَابِ الْمُصِيبَةِ إِذَا أَنْتَ أُصِبْتَ بِهَا أَرْغَبَ مِنْكَ فِيهَا لَوْ أَنَّهَا أُبْقِيَتْ لَكَ» ". وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ طَاوُسٍ مُرْسَلًا: الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا يُرِيحُ الْقَلْبَ وَالْبَدَنَ، وَالرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا تُطِيلُ الْهَمَّ وَالْحَزَنَ. رَوَاهُ الْقُضَاعِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ: يُكْثِرُ بَدَلَ يُطِيلُ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَابْنُ عَدِيٍّ وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا. وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا: تُشَعِّبُ الْقَلْبَ وَالْبَدَنَ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الضَّحَّاكِ مُرْسَلًا: أَزْهَدُ النَّاسِ مَنْ لَمْ يَنْسَ الْقَبْرَ وَالْبِلَى، وَتَرَكَ أَفْضَلَ زِينَةِ الدُّنْيَا، وَآثَرَ مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى، وَلَمْ يَعُدَّ غَدًا مِنْ أَيَّامِهِ، وَعَدَّ نَفْسَهُ مِنَ الْمَوْتَى. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «صَلَاحُ أَوَّلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالزَّهَادَةِ وَالْيَقِينِ، وَهَلَاكُ آخِرِهَا بِالْبُخْلِ وَالْأَمَلِ» " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ.

5188 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَامَ عَلَى حَصِيرٍ، فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَسَدِهِ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَبْسُطَ لَكَ وَنَعْمَلَ فَقَالَ: " مَا لِي وَلِلدُّنْيَا؟ وَمَا أَنَا وَالدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5188 - (وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ عَلَى حَصِيرٍ، فَقَامَ) أَيْ: عَنِ النَّوْمِ (وَقَدْ أَثَّرَ) أَيْ: أَثَّرَ الْحَصِيرُ (فِي جَسَدِهِ) أَيْ: غَايَةَ التَّأْثِيرِ (فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَبْسُطَ) : بِضَمِّ السِّينِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ " لَوْ " لِلتَّمَنِّي، وَأَنْ تَكُونَ لِلشَّرْطِيَّةِ، وَالتَّقْدِيرُ: لَوْ أَذِنْتَ لَنَا أَنْ نَبْسُطَ لَكَ) : فِرَاشًا لَيِّنًا (وَنَعْمَلَ) أَيْ: لَكَ ثَوْبًا حَسَنًا. أَيْ: لَكَانَ أَحْسَنَ مِنِ اضْطِجَاعِكَ عَلَى هَذَا الْحَصِيرِ الْخَشِنِ، (فَقَالَ: " مَا لِي وَلِلدُّنْيَا؟ وَمَا أَنَا وَالدُّنْيَا ") : " مَا " نَافِيَةٌ أَيْ: لَيْسَ لِي أُلْفَةٌ وَمَحَبَّةٌ مَعَ الدُّنْيَا وَلَا لِلدُّنْيَا أُلْفَةٌ وَمَحَبَّةٌ مَعِي حَتَّى أَرْغَبَ إِلَيْهَا، وَأَنْبَسِطَ عَلَيْهَا، وَأَجْمَعَ مَا فِيهَا وَلَذَّتَهَا أَوِ اسْتِفْهَامِيَّةٌ أَيْ: أُلْفَةٌ وَمَحَبَّةٌ لِي مَعَ الدُّنْيَا أَوْ أَيُّ شَيْءٍ لِي مَعَ الْمَيْلِ إِلَى الدُّنْيَا أَوْ مَيْلِهَا إِلَيَّ، فَإِنِّي طَالِبُ الْآخِرَةِ وَهِيَ ضَرَّتُهَا الْمُضَادَّةُ لَهَا. هَذَا وَقَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَوْلُهُ: وَنَعْمَلَ مُتَعَلِّقَةٌ مَحْذُوفٍ، فَيُقَدَّرُ مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ السَّابِقِ، وَهُوَ وُجُودُ التَّنَعُّمِ وَالتَّلَذُّذِ بِالْأَغْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِسَاطًا، وَمِنْ ثَمَّ طَابَقَهُ قَوْلُهُ: " مَا لِي وَلِلدُّنْيَا " أَيْ: لَيْسَ حَالِي مَعَ الدُّنْيَا. (" إِلَّا كَرَاكِبٍ ") أَيْ: إِلَّا

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3247
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست