responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3192
5112 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «يُحْشُرُ الْمُتَكَبِّرُونَ أَمْثَالَ الذَّرِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، يُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى: بُولَسُ، تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ» "، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5112 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يُحْشُرُ الْمُتَكَبِّرُونَ أَمْثَالَ الذَّرِّ) أَيْ: فِي الصِّغَرِ وَالْحَقَارَةِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ) أَيْ: مِنْ جِهَةِ وُجُوهِهِمْ أَوْ مِنْ حَيْثِيَّةِ هَيْئَتِهِمْ مِنِ انْتِصَابِ الْقَامَةِ (يَغْشَاهُمْ) أَيْ: يَأْتِيهِمْ (الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ) أَيْ: مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْمَذَلَّةِ وَالنَّقِيصَةِ يَطَؤُهُمْ أَهْلُ الْمَحْشَرِ بِأَرْجُلِهِمْ مِنْ هَوَانِهِمْ عَلَى اللَّهِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ، هَذَا وَفِي النِّهَايَةِ: الذَّرُّ النَّمْلُ الْأَحْمَرُ الصَّغِيرُ وَاحِدُهَا ذَرَّةٌ، وَقِيلَ: الذَّرَّةُ يُرَادُ بِهَا مَا يُرَى فِي شُعَاعِ الشَّمْسِ الدَّاخِلَ فِي النَّافِذَةِ. قُلْتُ: نَعَمْ قَدْ يُرَادُ بِهَا، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [الزلزلة: 8] كَمَا أَنَّهُ الْمُرَادُ جَزْمًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] ، وَأَمَّا إِرَادَةُ هَذَا الْمَعْنَى فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِقَوْلِهِ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْمَقَالِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الْمَجَازِ دُونَ الْحَقِيقَةِ أَيْ: أَذِلَّاءَ مُهَانِينَ يَطَؤُهُمُ النَّاسُ بِأَرْجُلِهِمْ، وَإِنَّمَا مَنَعَنَا عَنِ الْقَوْلِ بِظَاهِرِهِ مَا أَخْبَرَنَا بِهِ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ الْأَجْسَادَ تُعَادُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَجْزَاءِ حَتَّى إِنَّهُمْ يُحْشُرُونَ غُرْلًا يُعَادُ مِنْهُمْ مَا انْفَصَلَ عَنْهُمْ مِنَ الْقُلْفَةِ» " وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ بِقَوْلِهِ: يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ. قَالَ الْأَشْرَفُ: إِنَّمَا قَالَ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَمْثَالَ الذَّرِّ قَطْعًا مِنْهُ حَمْلَ قَوْلِهِ أَمْثَالَ الذَّرِّ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَدَفْعًا لِوَهْمِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُتَكَبِّرَ لَا يُحْشُرُ فِي صُورَةِ الْإِنْسَانِ وَتَحْقِيقًا لِإِعَادَةِ الْأَجْسَادِ الْمَعْدُومَةِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَجْزَاءِ. وَقَالَ الْمُظْهِرُ: يَعْنِي صُوَرُهُمْ صُوَرُ الْإِنْسَانِ، وَجُثَّتُهُمْ كَجُثَّةِ الذَّرِّ فِي الصِّغَرِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: لَفْظُ الْحَدِيثِ يُسَاعِدُ هَذَا الْمَعْنَى، لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَمْثَالَ الذَّرِّ تَشْبِيهٌ لَهُمْ بِالذَّرِّ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ وَجْهِ الشَّبَهِ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الشَّبَهِ الصِّغَرَ فِي الْجُثَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ الْحَقَارَةَ وَالصَّغَارَ، فَقَوْلُهُ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ بَيَانٌ لِلْوَجْهِ وَدَفُعُ وَهْمِ مَنْ يَتَوَهَّمُ خِلَافَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ الْأَجْسَادَ تُعَادُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَجْزَاءِ، فَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لَا تُعَادَ تِلْكَ الْأَجْزَاءُ الْأَصْلِيَّةُ فِي مِثْلِ الذَّرِّ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَيْهِ، وَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ، وَعَلَى هَذَا الْحَقَارَةُ مَلْزُومُ هَذَا التَّرْكِيبِ، فَلَا يُنَافِي إِرَادَةَ الْجُثَّةِ مَعَ الْحَقَارَةِ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّهُ لَا كَلَامَ فِي قُدْرَتِهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ هَلْ تُعَلَّقُ الْقُدْرَةُ بِهِ أَمْ لَا؟ وَإِذَا صَحَّ فِي الْخَبَرِ: أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ يُحْشُرُونَ غُرْلًا، فَلَا شَكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ إِعَادَةِ جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ الْأَصْلِيَّةِ مِنَ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ، كَالْأَظْفَارِ الْمَقْلُوعَةِ، وَالشُّعُورِ الْمَحْلُوقَةِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ تَصْمِيمًا لِكَلَامِ الشَّارِعِ، وَتَحْقِيقًا لِمَا أَخْبَرَهُ بِهِ، وَحُصُولُ هَذَا كُلِّهِ فِي ذَرَّةٍ مِنَ الْمُحَالَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَنَفْيُهُ يُعْتَبَرُ فِي الْقَوَاعِدِ النَّقْلِيَّةِ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ دُخُولَ الْكُفَّارِ الْجَنَّةَ مِنَ الْمُحَالِ الَّذِي لَا يَقَعُ أَبَدًا كَوُجُودِ الْجَمَلِ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ. إِذَا عَرَفْتَ هَذَا عَلِمْتَ أَنَّ الشَّيْخَ التُّورِبِشْتِيَّ عَدَلَ عَنِ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ لِلضَّرُورَةِ الْمُلْجِئَةِ لَهُ إِلَيْهِ، لَكِنْ يَأْبَاهُ مَا فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ عَلَى مَا حَقَّقَهُ بَقِيَّةُ الشُّرَّاحِ، فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ اللَّهَ يُعِيدُهُمْ عِنْدَ إِخْرَاجِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ عَلَى أَكْمَلِ صُوَرِهِمْ، وَجَمْعُ أَجْزَائِهِمُ الْمَعْدُومَةِ تَحْقِيقًا لِوَصْفِ الْإِعَادَةِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، ثُمَّ فِي يَجْعَلُهُمْ فِي مَوْقِفِ الْجَزَاءِ عَلَى الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ إِهَانَةً وَتَذْلِيلًا لَهُمْ جَزَاءً وِفَاقًا، أَوْ يَتَصَاغَرُونَ مِنَ الْهَيْبَةِ الْإِلَهِيَّةِ عِنْدَ مَجِيئِهِمْ إِلَى مَوْضِعِ الْحِسَابِ، وَظُهُورِ أَثَرِ الْعُقُوبَةِ السُّلْطَانِيَّةِ الَّتِي لَوْ وُضِعَتْ عَلَى الْجِبَالِ لَصَارَتْ هَبَاءً مَنْثُورًا، وَقَدْ ثَبَتَ تَبْدِيلُ صُوَرِ أَهْلِ جَهَنَّمَ عَلَى أَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَصُوَرٍ مُتَبَايِنَةٍ كَصُوَرِ الْكِلَابِ وَالْخَنَازِيرِ وَالْحَمِيرِ، بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِصِفَاتِهِمْ وَحَالَاتِهِمْ، وَقَدْ تَكْبُرُ جُثَّتُهُمْ حَتَّى يَكُونَ ضِرْسُ الْكَافِرِ كَجَبَلِ أُحُدٍ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَكَذَا تَغْيِيرُ صُوَرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ السَّوَادِ إِلَى الْبَيَاضِ، وَمِنَ الْقِصَرِ إِلَى الطُّولِ الْمُعْتَدِلِ، وَمِنَ الْكِبَرِ إِلَى السَّنِّ الْمُتَوَسِّطِ، وَجَعْلِهِمْ جُرْدًا مُكَحَّلَيْنِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ.

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3192
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست