responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3147
خَمْسِينَ يَوْمًا. قَالَ: وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ خَافَ مِنْ مُكَالَمَةِ أَحَدٍ وَصِلَتِهِ مَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ دِينَهُ أَوْ يُدْخِلَ مَضَرَّةً فِي دُنْيَاهُ يَجُوزُ لَهُ مُجَانَبَتُهُ وَبُعْدُهُ، وَرَبَّ صَرْمٍ جَمِيلٍ خَيْرٌ مِنْ مُخَالَطَةٍ تُؤْذِيهِ. وَفِي النِّهَايَةِ: يُرِيدُ بِهِ الْهَجْرَ ضِدَّ الْوَصْلِ، يَعْنِي فِيمَا يَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَتْبٍ وَمَوْجَدَةٍ، أَوْ تَقْصِيرٍ يَقَعُ فِي حُقُوقِ الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ دُونَ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فِي جَانِبِ الدِّينِ، فَإِنَّ هِجْرَةَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَرِّ الْأَوْقَاتِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ التَّوْبَةُ وَالرُّجُوعُ إِلَى الْحَقِّ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَافَ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ النِّفَاقَ حِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَ بِهِجْرَانِهِمْ خَمْسِينَ يَوْمًا، وَقَدْ هَجَرَ نِسَاءَهُ شَهْرًا وَهَجَرَتْ عَائِشَةُ ابْنَ الزُّبَيْرِ مُدَّةً، وَهَجَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ جَمَاعَةً مِنْهُمْ، وَمَاتُوا مُتَهَاجِرِينَ، وَلَعَلَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مَنْسُوخٌ بِالْآخَرِ.
قُلْتُ: الْأَظْهَرُ أَنْ يُحْمَلَ نَحْوُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْمُتَوَاخِيَيْنِ أَوِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ، بِخِلَافِ الْوَالِدِ مَعَ الْوَلَدِ، وَالْأُسْتَاذِ مَعَ تِلْمِيذِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا وُقِّرَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخُلُقِ لِبَعْضِ الْخَلَفِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْهِجْرَةُ الْمُحَرَّمَةُ إِنَّمَا تَكُونُ مَعَ الْعَدَاوَةِ وَالشَّحْنَاءِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الَّذِي يَلِيهِ، فَغَيْرُهَا إِمَّا مُبَاحٌ أَوْ خِلَافُ الْأُولَى (يَلْتَقِيَانِ) أَيْ: يَتَلَاقَيَانِ وَهُوَ مَعَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ. (فَيُعْرِضُ هَذَا) أَيْ: وَجْهَهُ عَنْهُ (وَيُعْرِضُ هَذَا) : اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْهِجْرَانِ، أَوْ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ يَهْجُرُ وَمَفْعُولِهِ فَيُفِيدُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَحْصُلِ التَّلَاقِي وَالْإِعْرَاضُ فَلَا بَأْسَ بِالْهِجْرَانِ الْمُطْلَقِ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ التَّثْلِيثُ أَمْ لَا؟ مَحَلُّ بَحْثٍ أَوْ تَوَقُّفٍ (وَخَيْرُهُمَا) : عَطْفٌ عَلَى لَا يَحِلُّ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: عَطْفٌ عَلَى يَلْتَقِيَانِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِمَا يُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ لَيْسَ بِخَيْرٍ اهـ. وَتَكَلُّفُهُ، بَلْ تَعَسُّفُهُ لَا يَخْفَى، وَالْمَعْنَى أَفْضَلُهُمَا فِي طَرِيقِ الْأَخْلَاقِ وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ (الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ) أَيْ: ثُمَّ الَّذِي يَرُدُّهُ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَرُدَّهُ لَيْسَ فِيهِ خَيْرٌ أَصْلًا، فَيَجُوزُ هِجْرَانُهُ، بَلْ يَجِبُ لِأَنَّهُ بِتَرْكِ رَدِّ السَّلَامِ صَارَ فَاسِقًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْبَادِئُ خَيْرَهُمَا لِدَلَالَةِ فِعْلِهِ، عَلَى أَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى التَّوَاضُعِ وَأَنْسَبُ إِلَى الصَّفَاءِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ، وَلِلْإِشْعَارِ بِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِالتَّقْصِيرِ، وَلِلْإِيمَاءِ إِلَى حُسْنِ الْعَهْدِ وَحِفْظِ الْمَوَدَّةِ الْقَدِيمَةِ، أَوْ كَأَنَّهُ بَادِئٌ فِي الْمَحَبَّةِ وَالصُّحْبَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْأَكْمَلُ: وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى إِزَالَةِ الْهِجْرَانِ، وَأَنَّهُ يَزُولُ بِمُجَرَّدِ السَّلَامِ اهـ. وَفِيهِ إِيمَاءٌ بِأَنَّهُ لَا يَخْفَى لِمُسْلِمٍ أَنْ يَبْدَأَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ السَّلَامِ، كَمَا وَرَدَ: فِيمَا سَبَقَ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

5028 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ; فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» ". وَفِي رِوَايَةٍ: " وَلَا تَنَافَسُوا ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5028 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ) أَيِ: احْذَرُوا اتِّبَاعَ الظَّنِّ فِي أَمْرِ الدِّينِ الَّذِي مَبْنَاهُ عَلَى الْيَقِينِ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36] قَالَ الْقَاضِيَ: التَّحْذِيرُ عَنِ الظَّنِّ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ أَوِ التَّحَدُّثُ بِهِ عِنْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ أَوْ عَمَّا يُظَنُّ كَذِبُهُ اهـ. أَوِ اجْتَنِبُوا الظَّنَّ فِي التَّحْدِيثِ وَالْإِخْبَارِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (فَإِنَّ الظَّنَّ) : فِي مَوْضِعِ الظَّاهِرِ زِيَادَةُ تَمْكِينٍ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ حَثًّا عَلَى الِاجْتِنَابِ (أَكْذَبُ الْحَدِيثِ) : وَيُقَوِّيهِ حَدِيثُ: " «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» " وَقِيلَ أَيْ أَكْذَبُ حَدِيثِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِإِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ أَوِ اتَّقُوا سُوءَ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِينَ قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: 12] وَهُوَ مَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ دُونَ مَا يَخْطُرُ بِقَلْبِهِ أَنَّ بَعْضَ الظَّنِّ - وَهُوَ أَنْ يَظُنَّ وَيَتَكَلَّمَ - إِثْمٌ، فَلَا تَجَسَّسُوا، وَهُوَ الْمُلَائِمُ لِقَوْلِهِ: (وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا) : بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ فِي الْأَوَّلِ وَبِالْجِيمِ فِي الثَّانِي فَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ لَا تَطْلُبُوا التَّطَلُّعَ عَلَى خَيْرِ أَحَدٍ وَلَا عَلَى شَرِّهِ، وَكِلَاهُمَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَى خَيْرِ أَحَدٍ رُبَّمَا يَحْصُلُ لَكَ حَسَدٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الْخَيْرُ فِيكَ، وَلَوِ اطَّلَعْتَ عَلَى شَرِّهِ تَعِيبُهُ وَتَفْضَحُهُ، وَقَدْ وَرَدَ: طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: التَّحَسُّسُ بِالْحَاءِ الِاسْتِمَاعُ لِحَدِيثِ الْقَوْمِ عَنْ بَوَاطِنِ الْأُمُورِ، وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ فِي الشَّرِّ. وَقِيلَ بِالْجِيمِ التَّفْتِيشُ عَنْ بَوَاطِنِ الْأُمُورِ. وَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى وَهُوَ طَلَبُ مَعْرِفَةِ الْأَخْبَارِ الْغَائِبَةِ وَالْأَحْوَالِ.

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3147
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست