responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 6  صفحه : 2344
التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ، وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ لَا يُلَائِمُهُ قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ مَأْمُورُونَ بِالسَّتْرِ مُطْلَقًا، وَلَا يُنَاسِبُهُ أَيْضًا لَفْظُ خَيْرٍ كَمَا لَا يَخْفَى، فَالصَّوَابُ أَنَّ الْخِطَابَ لِلْأُمَّةِ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا الْحُدُودَ بِكُلِّ عُذْرٍ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ بِهِ، كَمَا وَقَعَ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِمَاعِزٍ وَغَيْرِهِ مِنْ تَلْقِينِ الْأَعْذَارِ، وَتَفْتِيشِ مَخَارِجِ الْأَوْزَارِ، ثُمَّ بَالَغَ مُبَالَغَهً بَلِيغَةً بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ الْإِمَامَ إِلَخْ. وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ لِأَجْلِ الدَّرْءِ فِي الْخَطَأِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَفْوِ، خَيْرٌ مِنْ وُقُوعِهِ فِي الْخَطَأِ الْمُتَعَلِّقِ بِجَانِبِ الْعُقُوبَةِ، لِمَا فِي سَعَةِ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِلِاحْتِيَاطِ فِي جَانِبِ الْبَرِيءِ أَنْ لَا يُضْرَبَ وَلَا يُقْتَلَ فَتَأَمَّلْ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: فَيَكُونُ قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْإِمَامَ مُظْهَرٌ أُقِيمَ مَقَامَ الْمُضْمَرِ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِفَاتِ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ حَثًّا عَلَى إِظْهَارِ الرَّأْفَةِ، قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ مِنْكُمْ أَوْ إِمَامُكُمْ، عَلَى أَنَّ اللَّامَ بَدَلٌ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَإِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ سَبِيلُ عَفْوِهِ بِعُذْرٍ خَيْرٌ مِنْ طَرِيقِ عُقُوبَتِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ) : أَيِ التِّرْمِذِيُّ (وَقَدْ رُوِيَ) : أَيْ هَذَا الْحَدِيثُ (عَنْهَا وَلَمْ يُرْفَعْ) : أَيْ هَذَا الْحَدِيثُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عَائِشَةَ (وَهُوَ) : أَيِ الْوَقْفُ (أَصَحُّ) . أَيْ مِنْ رَفْعِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ سَنَدَ الْمَوْقُوفِ أَصَحُّ مِنْ سَنَدِ الْمَرْفُوعِ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِهِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: ( «ادْرَءُوا بِالْحُدُودِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ لِلْمُسْلِمِ مَخْرَجًا فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ لِأَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ» ) . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: ( «ادْرَءُوا الْحُدُودَ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ تَعْطِيلُ الْحُدُودِ» ) . وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «ادْفَعُوا الْحُدُودَ عَنْ عِبَادِ اللَّهِ مَا وَجَدْتُمْ لَهُ مَدْفَعًا» .
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَمِمَّا يَدْرَأُ الْحَدَّ أَنْ لَا يُعْلَمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ، وَنُقِلَ فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِحُرْمَةِ الزِّنَا إِجْمَاعُ الْفُقَهَاءِ وَاسْتُدِلَّ عَلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) . وَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ الْحَدِيثُ الَّذِي فِي الْأَصْلِ قَالَ: وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ وَيَزِيدُ ضَعِيفٌ وَأُسْنِدَ فِي عِلَلِهِ عَنِ الْبُخَارِيِّ: يَزِيدُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ذَاهِبٌ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْمَوْقُوفُ إِلَى الصَّوَابِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ، وَهُوَ دَرْءُ الْحَدِّ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَقْوَى وَكَانَ ذِكْرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ذِكْرًا لِمُسْتَنَدِ الْإِجْمَاعِ، وَفِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ) . وَأَسْنَدَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ النَّخَعِيُّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لِأَنَّ أُعَطِّلَ الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُقِيمَهَا بِالشُّبُهَاتِ. وَأُخْرِجَ عَنْ مُعَاذٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالُوا: إِذَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ الْحَدُّ فَادْرَأْ. وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ أَصْحَابِهِ الظَّاهِرِيَّةِ: أَنَّ الْحَدَّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَحِلُّ أَنْ يُدْرَأَ بِشُبْهَةٍ وَشَنَّعَ بِأَنَّ الْآثَارَ الْمَذْكُورَةَ لِإِثْبَاتِ الدَّرْءِ بِالشُّبُهَاتِ لَيْسَ فِيهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ، بَلْ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ مِنْ طُرُقٍ لَا خَيْرَ فِيهَا، وَأُعِلَّ مَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِمَّا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ بِالْإِرْسَالِ، وَهُوَ غَيْرُ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، فَإِنَّهَا مَعْلُولَةٌ بِإِسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، وَأَمَّا التَّمَسُّكُ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( «وَمَنِ اجْتَرَّ عَلَى مَا يُشَكُّ فِيهِ مِنَ الْإِثْمِ أَوْ يُشَكُّ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ، وَالْمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ تَعَالَى، وَمَنْ يَرْتَعُ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» ) ، فَمَا مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ جَهِلَ حُرْمَةَ شَيْءٍ وَحِلَّهُ، فَالْوَرَعُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْهُ، وَمَنْ جَهِلَ وُجُوبَ أَمْرٍ وَعَدَمَهُ فَلَا يُوجِبْهُ مِنْ جَهْلٍ أَوَجَبَ الْحَدُّ أَمْ لَا. وَجَبَ أَنْ يُقِيمَهُ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ الْإِرْسَالَ لَا يَقْدَحُ، وَإِنَّ الْمَوْقُوفَ فِي هَذَا لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ ; لِأَنَّ إِسْقَاطَ الْوَاجِبِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِشُبْهَةٍ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْلِ، بَلْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ بَعْدَ تَحَقُّقِ الثُّبُوتِ لَا يَرْتَفِعُ بِشُبْهَةٍ، فَحَيْثُ ذَكَرَهُ صَحَابِيٌّ حُمِلَ عَلَى الرَّفْعِ، وَأَيْضًا فِي إِجْمَاعِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ كِفَايَةً، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: هَذَا الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَفِي تَتَبُّعِ الْمَرْوِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ مَا يَقْطَعُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لِمَاعِزٍ: ( «لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، لَعَلَّكَ غَمَزْتَ، لَعَلَّكَ لَمَسْتَ» ) . كُلُّ ذَلِكَ يُلَقِّنُهُ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ بَعْدَ إِقْرَارِهِ بِالزِّنَا، وَلَيْسَ لِتِلْكَ فَائِدٌ إِلَّا كَوْنُهُ إِذَا قَالَهَا تَرَكَهُ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ، وَلَمْ يَقُلْ لِمَنِ اعْتَرَفَ عِنْدَهُ بِدَيْنٍ، لَعَلَّهُ كَانَ وَدِيعَةً عِنْدَكَ فَضَاعَتْ وَنَحْوَهُ، وَكَذَا قَالَ عَلِيٌّ لِشُرَاحَةَ: لَعَلَّهُ اسْتَكْرَهَكِ لَعَلَّهُ وَقَعَ عَلَيْكِ وَأَنْتِ نَائِمَةٌ، لَعَلَّ مَوْلَاكِ زَوَّجَكِ مِنْهُ وَأَنْتَ تَكْتُمِينَهُ، وَتَتَبُّعُ مِثْلِهِ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ يُوجِبُ طُولًا، فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ كَوْنُ الْحَدِّ يُحْتَالُ فِي دَرْئِهِ بِلَا شَكٍّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الِاسْتِفْسَارَاتِ الْمُفِيدَةَ لِقَصْدِ الِاحْتِيَالِ لِلدَّرْءِ كُلِّهِ كَانَتْ بَعْدَ الثُّبُوتِ لِأَنَّهُ كَانَ صَرِيحَ الْإِقْرَارِ، وَبِهِ الثُّبُوتُ، وَهَذَا هُوَ الْحَاصِلُ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ، وَمِنْ قَوْلِهِ: ( «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» ) فَكَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَقْطُوعًا بِثُبُوتِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، فَكَانَ الشَّكُّ فِيهِ شَكًّا فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الِاخْتِلَافُ أَحْيَانًا فِي بَعْضٍ أَهِيَ شُبْهَةٌ صَالِحَةٌ لِلدَّرْءِ أَوْ لَا؟ وَبَيَّنَ الْفُقَهَاءُ فِي تَقْسِيمِهَا وَتَسْمِيَتِهَا اصْطِلَاحًا إِلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 6  صفحه : 2344
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست