responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 4  صفحه : 1615
الرَّاهِبَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، (أَنْ تَبَاعَدِي) : بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ: عَنِ الْمَيِّتِ، فَهَذَا فَضْلٌ فِي صُورَةِ عَدْلٌ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ نِيَّةَ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ، وَمَنْ قَالَ هِيَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَدْ خَالَفَ الرِّوَايَةَ وَالدِّرَايَةَ. (فَقَالَ) أَيِ: اللَّهُ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (قِيسُوا) : الْخِطَابُ لِلْمَلَائِكَةِ الْمُتَخَاصِمِينَ أَيْ قَدِّرُوا (مَا بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ، فَإِلَى أَيِّ قَرْيَةٍ أَقْرَبَ فَإِلْحَاقُهُ بِأَهْلِهَا أَوْجَبُ. (فَوُجِدَ) أَيِ: الْمَيِّتُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ (إِلَى هَذِهِ) أَيِ: الْقَرْيَةِ الَّتِي تَوَجَّهَ إِلَيْهَا، وَهِيَ قَرْيَةُ الصَّالِحِينَ (أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ) : دَلَّ عَلَى سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِطَالِبِ التَّوْبَةِ، فَضْلًا عَنِ التَّائِبِ، رَزَقَنَا اللَّهُ تَعَالَى تَوْبَةً نَصُوحًا. قَالَ الطِّيبِيُّ: إِذَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْ عَبْدِهِ أَرْضَى عَنْهُ خُصُومَهُ، وَرَدَّ مَظَالِمَهُ، فَفِي الْحَدِيثِ تَرْغِيبٌ فِي التَّوْبَةِ، وَمَنْعُ النَّاسِ عَنِ الْيَأْسِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَفِيهِ رِوَايَةٌ لِمُسْلِمٍ: «فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلَقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّى نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا أَدْنَى فَهُوَ لَهُ. فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ ; فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ» . اهـ. وَفِيهِ تَفْضِيلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ.

2328 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ - " «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2328 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) أَيْ: إِيجَادُهَا وَإِمْدَادُهَا بِقُدْرَتِهِ وَقُوَّتِهِ (لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا) أَيْ: أَيُّهَا الْمُكَلَّفُونَ، أَوْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ) : الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: (وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ) أَيْ: آخَرِينَ مِنْ جِنْسِكِمْ أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ (يُذْنِبُونَ) أَيْ: يُمْكِنُ وُقُوعُ الذَّنْبِ مِنْهُمْ وَيَقَعُ بِالْفِعْلِ عَنْ بَعْضِهِمْ (فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ) أَيْ: فَيَتُوبُونَ، أَوْ يَطْلُبُونَ الْمَغْفِرَةَ مُطْلَقًا (فَيَغْفِرُ لَهُمْ) : لِاقْتِضَاءِ صِفَةِ الْغَفَّارِ وَالْغَفُورِ ذَلِكَ. قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: فِيهِ تَحْرِيضٌ عَلَى اسْتِيلَاءِ الرَّجَاءِ عَلَى الْخَوْفِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لَيْسَ الْحَدِيثُ تَسْلِيَةً لِلْمُنْهَمِكِينَ فِي الذُّنُوبِ، كَمَا يَتَوَهَّمُهُ أَهْلُ الْغِرَّةِ بِاللَّهِ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ - إِنَّمَا بُعِثُوا لِيَرْدَعُوا النَّاسَ عَنْ غِشْيَانِ الذُّنُوبِ، بَلْ بَيَانٌ لِعَفْوِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَتَجَاوُزِهِ عَنِ الْمُذْنِبِينَ لِيَرْغَبُوا فِي التَّوْبَةِ، وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ كَمَا أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ الْمُحْسِنِينَ أَحَبَّ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنِ الْمُسِيئِينَ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَسْمَائِهِ: الْغَفَّارُ، الْحَلِيمُ، التَّوَّابُ، الْعَفُوُّ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَجْعَلَ الْعِبَادَ شَأْنًا وَاحِدًا، كَالْمَلَائِكَةِ مَجْبُولِينَ عَلَى التَّنَزُّهِ مِنَ الذُّنُوبِ، بَلْ يَخْلُقُ فِيهِمْ مَنْ يَكُونُ بِطَبْعِهِ مَيَّالًا إِلَى الْهَوَى مُتَلَبِّسًا بِمَا يَقْتَضِيهِ، ثُمَّ يُكَلِّفُهُ التَّوَقِّي عَنْهُ، وَيُحَذِّرُهُ عَنْ مُدَانَاتِهِ، وَيُعَرِّفُهُ التَّوْبَةَ بَعْدَ الِابْتِلَاءِ، فَإِنْ وَفَّى فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَإِنْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ فَالتَّوْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ أَنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ مَجْبُولِينَ عَلَى مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةَ لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يَتَأَتَّى مِنْهُمُ الذَّنْبُ، فَيَتَجَلَّى عَلَيْهِمْ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ عَلَى مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، فَإِنَّ الْغَفَّارَ يَسْتَدْعِي مَغْفُورًا، كَمَا أَنَّ الرَّزَّاقَ يَسْتَدْعِي مَرْزُوقًا.
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَتَصْدِيرُ الْحَدِيثِ بِالْقَسَمِ رَدٌّ لَمْ يُنْكِرْ صُدُورَ الذَّنْبِ عَنِ الْعِبَادِ وَيَعُدُّهُ نَقْصًا فِيهِمْ مُطْلَقًا، وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ مِنَ الْعِبَادِ صُدُورَهُ كَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ، فَنَظَرُوا إِلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُ مَفْسَدَةٌ، وَلَمْ يَقِفُوا عَلَى سِرِّهِ أَنَّهُ مُسْتَجْلِبٌ لِلتَّوْبَةِ الَّتِي هِيَ تُوقِعُ مَحَبَّةِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَلَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ، الْحَدِيثَ. وَلَعَلَّ السِّرَّ فِي هَذَا إِظْهَارُ صِفَةِ الْكَرَمِ وَالْحِلْمِ وَالْغُفْرَانِ، وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ لَانْثَلَمَ طَرَفٌ مِنْ ظُهُورِ صِفَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ، وَالْإِنْسَانُ إِنَّمَا هُوَ خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ يَتَجَلَّى لَهُ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَالْقَهْرِ وَاللُّطْفِ وَالْإِنْعَامِ، وَالْمَلَائِكَةُ لَمَّا نَظَرُوا إِلَى الْقَهْرِ وَالْجَلَالِ قَالُوا: {أَتُجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: 30] .

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 4  صفحه : 1615
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست