responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 4  صفحه : 1612
ابْنُ حَجَرٍ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إِيمَاءٌ إِلَى مُقْتَضَى الْعُبُودِيَّةِ مِنَ الِافْتِقَارِ إِلَى مُرَاعَاةِ حَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ (كُلُّكُمْ ضَالٌّ) أَيْ: عَنْ كُلِّ كَمَالٍ وَسَعَادَةٍ دِينِيَّةٍ وَدُنْيَوِيَّةٍ (إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ) : قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ وَصْفُهُمْ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ بَعْثَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَنَّهُمْ خُلِقُوا فِي الضَّلَالَةِ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُمْ لَوْ تُرِكُوا بِمَا فِي طِبَاعِهِمْ لَضَلُّوا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فِي ظُلْمَةٍ ثُمَّ رَشَّ عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ» "، وَهُوَ لَا يُنَافِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ " فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرَةِ التَّوْحِيدُ، وَالْمُرَادَ بِالضَّلَالَةِ جَهَالَةُ تَفْصِيلِ أَحْكَامِ الْإِيمَانِ وَحُدُودِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا} [الضحى: 7] وَقِيلَ: مَعْنَاهُ عَاشِقًا (فَاسْتَهْدُونِي) أَيِ: اطْلُبُوا الْهِدَايَةَ مِنِّي أَيَّ نَوْعٍ مِنْهَا (أَهْدِكُمْ) : إِذْ لَا هَادِيَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا، وَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الِامْتِنَانِ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ شَرَعَ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ تَكْمِيلًا لِلْمَرْتَبَتَيْنِ، مُقْتَصِرًا عَلَى الْأَمْرَيْنِ الْأَهَمَّيْنِ مِنْهَا، وَهُوَ الْأَكْلُ وَاللُّبْسُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي وَصْفِ الْجَنَّةِ: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى - وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [طه: 118 - 119] وَلَعَلَّ تَرْكَ الظَّمَأِ اكْتِفَاءٌ بِدَلَالَةِ الْمُقَابَلَةِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] أَيْ: وَالْبَرْدَ، وَتَرْكُ الْمَأْوَى لِشُمُولِ الْكُسْوَةِ الَّتِي هِيَ السُّتْرَةُ لَهُ إِيمَاءٌ أَوْ إِشَارَةٌ (يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ) أَيْ: مُحْتَاجٌ إِلَى الطَّعَامِ (إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ) أَيْ: مَنْ أَطْعَمْتُهُ وَبَسَطْتُ عَلَيْهِ الرِّزْقَ وَأَغْنَيْتُهُ، فَلَا يَشْكُلُ أَنَّ الْإِطْعَامَ عَامٌّ لِلْجَمِيعِ، فَكَيْفَ يَسْتَثْنِي (فَاسْتَطْعِمُونِي) أَيِ: اطْلُبُوا الطَّعَامَ مِنْ جَنَابِي وَتَيْسِيرَ الْقُوتِ وَالْقُوَّةَ مِنْ بَابِي، (أُطْعِمْكُمْ. يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ) أَيْ: مُحْتَاجٌ إِلَى سَتْرِ عَوْرَتِهِ وَإِلَى التَّنَعُّمِ بِأَنْوَاعِ لِبَاسِهِ وَزِينَتِهِ (إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي) أَيِ: اطْلُبُوا مِنِّي الْكُسْوَةَ (أَكْسُكُمْ) : بِضَمِّ السِّينِ أَيْ: أُيَسِّرْ لَكُمْ حَالَاتِكُمْ، وَأُزِيلُ عَنْكُمْ مَسَاوِئَ كَشْفِ سَوْآتِكُمْ.
قَالَ الطِّيبِيُّ، فَإِنْ قُلْتَ: مَا مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ وَكَسَوْتُهُ، إِذْ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ مَحْرُومًا مِنْهُمَا قُلْتُ: الْإِطْعَامُ وَالْكُسْوَةُ لَمَّا كَانَا مُعَبِّرَيْنِ عَنِ النَّفْعِ التَّامِّ وَالْبَسْطِ فِي الرِّزْقِ وَعَدَمُهُمَا عَنِ التَّقْتِيرِ وَالتَّضْيِيقِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} [الرعد: 26] سَهَّلَ التَّخَيُّلَ عَنِ الْجَوَابِ، فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ إِثْبَاتِ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ نَفْيَ الشِّبَعِ وَالْكُسْوَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَيْسَ فِي الْمُسْتَثْنَى إِثْبَاتُ الشِّبَعِ وَالْكُسْوَةِ مُطْلَقًا، بَلِ الْمُرَادُ بَسْطُهُمَا وَتَكْثِيرُهُمَا، وَيُوَضِّحُهُ الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الْفَصْلِ الثَّانِي، أَنَّهُ وَضَعَ قَوْلَهُ: كُلُّكُمْ فُقَرَاءُ إِلَّا مَنْ أَغْنَيْتُهُ فِي مَوْضِعِهِ. اهـ. وَهُوَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْبَهَاءِ، وَهُوَ عَيْنُ مَا أَخَذَهُ ابْنُ حَجَرٍ عَنْهُ، ثُمَّ أَغْرَبَ وَقَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَرَّرْتُهُ أَوْلَى مِمَّا سَلَكَهُ شَارِحٌ فَتَأَمَّلْهُ.
(يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ) : بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِهِمَا، وَقِيلَ يَجُوزُ ضَمُّهُمَا تَخْفِيفًا بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ. فِي الْقَامُوسِ: خَطَأَ فِي ذَنْبِهِ وَأَخْطَأَ: سَلَكَ سَبِيلَ الْخَطَأِ عَامِدًا أَوْ غَيْرَهُ، أَوِ الْخَاطِئُ مُتَعَمِّدُهُ، وَأَخْطَيْتُ لُغَةٌ أَوْ لُثْغَةٌ، هِيَ تَحَوُّلُ اللِّسَانِ مِنْ حَرْفٍ إِلَى حَرْفٍ، وَالْمَعْنَى تُذْنِبُونَ بِالْفِعْلِ، بِاعْتِبَارِ أَكْثَرِهِمْ، وَبِالْقُوَّةِ بِاعْتِبَارِ أَقَلِّهِمْ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: غَيْرُ الْمَعْصُومِينَ إِذْ لَيْسُوا مُرَادِينَ بِهَذَا فَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ لِعُمُومِ عِبَادِي الشَّامِلِ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ فِي السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ، نَعَمْ حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ، وَاسْتِغْفَارُهُمْ غَيْرُ اسْتِغْفَارِ الْمُذْنِبِينَ. (بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) أَيْ: فِي هَذَيْنِ الزَّمَانَيْنِ، وَأَمَّا تَخْصِيصُ النَّهَارِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: 60] لِغَلَبَةِ الذَّنْبِ فِيهِ. (وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) أَيْ: بِالتَّوْبَةِ أَوْ مَا عَدَا الشِّرْكَ إِنْ شَاءَ جَمْعًا بَيْنَ آيَتِي الزُّمَرِ وَالنِّسَاءِ، أَوْ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالْأَذْكَارِ وَنَحْوِهِمَا. (فَاسْتَغْفِرُونِي) أَيِ: اطْلُبُوا الْمَغْفِرَةَ مِنِّي (أَغْفِرْ لَكُمْ. يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي) : بِفَتْحِ الضَّادِ وَضَمِّهِ (فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي) : حَذْفُ نُونِ الْإِعْرَابِ مِنْهُمَا فِي نَصْبِهِمَا عَلَى جَوَابِ النَّفْيِ، أَيْ: لَا يَصِحُّ مِنْكُمْ ضُرِّي وَلَا نَفْعِي، فَإِنَّكُمْ لَوِ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى عِبَادَتِي أَقْصَى مَا يُمْكِنُ مَا نَفَعْتُمُونِي فِي مُلْكِي، وَلَوِ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى عِصْيَانِي أَقْصَى مَا يُمْكِنُ لَمْ تَضُرُّونِي، بَلْ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 4  صفحه : 1612
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست