responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 4  صفحه : 1578
يَزِيغُوا وَلَا يَزُولُوا، إِذْ لَوْلَا لُطْفُهُ وَإِحْسَانُهُ لَغَوَوْا وَضَلُّوا، وَمِنْ وُجُوهِ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمُ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَى أَكْثَرِ الْخَلْقِ حِفْظُهُ عَلَيْهِمْ قُلُوبَهُمْ، وَتَصْفِيَتُهُ لَهُمْ أَوْقَاتَهُمْ، فَإِنَّ النِّعْمَةَ الْعُظْمَى نِعَمُ الْقُلُوبِ، كَمَا أَنَّ الْمِحْنَةَ الْكُبْرَى مِحَنُ الْقُلُوبِ، أَوْ مِنَ الْمَجْدِ وَهُوَ نِهَايَةُ الشَّرَفِ، فَهُوَ الَّذِي لَهُ شَرَفُ الذَّاتِ وَحُسْنُ الصِّفَاتِ. وَقِيلَ: هُوَ الْعَظِيمُ الرَّفِيعُ الْقَدِيرُ فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ، وَحَظُّ الْعَبْدِ مِنْهُ أَنْ يُعَامِلَ النَّاسَ بِالْكَرَمِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ، فَيَكُونُ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَاجِدًا وَلِخَيْرِ مَا عِنْدَهُ تَعَالَى وَاجِدًا.
(الْبَاعِثُ) : أَيْ: بَاعِثُ الرُّسُلِ إِلَى الْأُمَمِ بِالْأَحْكَامِ وَالْحِكَمِ، أَوِ الَّذِي يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ لِلْحَشْرِ وَالنُّشُورِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَبْعَثُ الْأَرْزَاقَ إِلَى عَبْدِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكْتَسِبْ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَقِيلَ: هُوَ بَاعِثُ الْهِمَمِ إِلَى التَّرَقِّي فِي سَاحَاتِ التَّوْحِيدِ وَالتَّنَقِّي مِنْ ظُلْمِ صِفَاتِ الْعَبِيدِ، وَحَظُّ الْعَبْدِ مِنْهُ أَنْ يُؤْمِنَ أَوَّلًا بِمَعَانِيهِ، وَيَكُونَ مُقْبِلًا بِشَرَاشِرِهِ لِاسْتِصْلَاحِ الْمَعَادِ وَالِاسْتِعْدَادِ لِيَوْمِ التَّنَادِ، وَالتَّخَلُّقُ بِهِ إِحْيَاءُ النُّفُوسِ الْجَاهِلَةِ بِالتَّعْلِيمِ وَالتَّذْكِيرِ وَالتَّزْهِيدِ فِي الْأُمُورِ الْعَاجِلَةِ، وَالتَّرْغِيبِ فِي النِّعَمِ الْآجِلَةِ، فَيَبْدَأُ بِنَفَسِهِ، ثُمَّ بِمَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ مَنْزِلَةً وَرُتْبَةً.
(الشَّهِيدُ) : مُبَالَغَةُ الشَّاهِدِ مِنَ الشُّهُودِ، وَهُوَ الْحُضُورُ، وَمَعْنَاهُ الْعَلِيمُ بِظَاهِرِ الْأَشْيَاءِ، وَمَا يُمْكِنُ مُشَاهَدَتُهَا، كَمَا أَنَّ الْخَبِيرَ هُوَ الْعَالِمُ بِبَوَاطِنِ الْأَشْيَاءِ، وَمَا لَا يُمْكِنُ الْإِحْسَاسُ بِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {عَالَمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الأنعام: 73] أَوْ مُبَالَغَةُ الشَّاهِدِ مِنَ الشَّهَادَةِ، وَالْمَعْنَى يَشْهَدُ عَلَى الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. مِمَّا عَلِمَ وَشَاهَدَ مِنْهُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 79] .
قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: إِنَّ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ لَمْ يَطْلُبُوا مَعَ اللَّهِ مُؤْنِسًا سِوَاهُ، بَلْ رَضُوا بِهِ شَهِيدًا لِأَحْوَالِهِمْ عَلِيمًا بِأُمُورِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، وَكَيْفَ لَا، وَهُوَ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى وَيَسْمَعُ النَّجْوَى، وَيَكْشِفُ الضُّرَّ وَالْبَلْوَى وَيُجْزِلُ الْحُسْنَى، وَيَصْرِفُ الرَّدَى (وَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى) . قُلْتُ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53] وَحَظُّكَ مِنْهُ أَنْ تُرَاقِبَهُ حَتَّى لَا يَرَاكَ حَيْثُ نَهَاكَ، وَلَا يَفْقِدَكَ حَيْثُ أَمَرَكَ، وَأَنْ تَكْتَفِيَ بِعِلْمِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ عَنْ أَنْ تَرْفَعَ حَوَائِجَكَ إِلَى غَيْرِهِ، أَوْ أَنْ تَمِيلَ إِلَى طَلَبِ الْغَيْرِ مِنْ بِرِّهِ وَخَيْرِهِ، وَتَخَلُّقُكَ أَنْ تَكُونَ شَاهِدًا بِالْحَقِّ مُرَاعِيًا لِلصِّدْقِ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ مِنْ جُمْلَةِ مَا قَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] .
(الْحَقُّ) : هُوَ الثَّابِتُ الَّذِي تَحَقَّقَ بِتَيَقُّنِ وَجُودِهِ، وَلَا تَحَقُّقَ لِغَيْرِهِ إِلَّا مِنْ كَرَمِهِ وَجُودِهِ، وَضِدُّهُ الْبَاطِلُ الَّذِي هُوَ الْمَعْدُومُ أَوِ الْمَوْجُودُ الَّذِي فِي مُقَابِلِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْهُومِ، إِذِ الثَّابِتُ مُطْلَقًا هُوَ اللَّهُ، وَسَائِرُ الْمَوْجُودَاتِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا مُمْكِنَةٌ فِي حَدِّ ذَاتِهَا وَلَا ثُبُوتَ لَهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهَا، بَلِ الْكُلُّ مِنْهُ وَإِلَيْهِ، فَكُلُّ شَيْءٍ دُونَهُ بَاطِلٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ مِنْ ذَاتِهِ، وَلَا فِي ذَاتِهِ فَضْلًا عَنْ ثَبَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] ، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] بِتَغْلِيبِ ذَوِي الْعُقُولِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ غَيْرَهُمْ أَوْلَى بِالْأُفُولِ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ فِيمَا شَهِدَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ أَصْدَقَ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ.
أَيْ: قَابِلٌ لِلْفَنَاءِ وَالزَّوَالِ، بَلْ فِي نَظَرِ أَرْبَابِ الشُّهُودِ دَائِمًا فِي مَرْتَبَةِ الِاضْمِحْلَالِ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا أَبِي الْحَسَنِ الْبَكْرِيِّ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِمَّا سِوَى اللَّهِ، كَمَا حَرَّرْتُهُ وَبَسَطْتُهُ فِي شَرْحِ حِزْبِ الْفَتْحِ، وَيَدُلُّ عَلَى جَلَالَةِ لَبِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ لَمْ يَقُلْ شِعْرًا وَقَالَ: يَكْفِينِي الْقُرْآنُ، فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْمُحِقُّ أَيِ: الْمُظْهِرُ لِلْحَقِّ، أَوِ الْمُوجِدُ لِلشَّيْءِ حَسْبَ مَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ، فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ، وَحَظُّكَ مِنْهُ أَنَّكَ إِذَا عَرَفْتَ أَنَّهُ الْحَقُّ نَسِيتَ فِي حُبِّهِ ذِكْرَ الْخَلْقِ وَتَخَلُّقُكَ بِهِ أَنْ تَلْزَمَ الْحَقَّ فِي سَائِرِ أَقْوَالِكَ وَأَفْعَالِكَ وَأَحْوَالِكَ.

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 4  صفحه : 1578
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست