responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 4  صفحه : 1564
إِظْهَارُ اعْتِقَادِ ذَلِكَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ الْمُشْتَرَطِ لِصِحَّةِ الْإِيمَانِ الْمَطْلُوبِ لِظُهُورِ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِتْقَانِ. ( «الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ» ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: هُمَا اسْمَانِ بُنِيَا لِلْمُبَالَغَةِ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَهِيَ لُغَةً رِقَّةُ الْقَلْبِ، وَانْعِطَافٌ وَرَأْفَةٌ تَقْتَضِي التَّفْضِيلَ وَالْإِحْسَانَ عَلَى مَنْ رَقَّ لَهُ، وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتُهُ إِنَّمَا تُوجَدُ بِاعْتِبَارِ الْغَايَاتِ الَّتِي هِيَ أَفْعَالٌ دُونَ الْمَبَادِئِ الَّتِي تَكُونُ انْفِعَالَاتٍ، وَحَظُّ الْعَارِفِ مِنْهُمَا أَنْ يَتَوَجَّهَ بِكُلِّيَّتِهِ إِلَى جَنَابِ قُدُسِهِ، وَيَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ، وَيَلْتَجِئَ فِيمَا يَعِنُّ لَهُ إِلَيْهِ وَيَشْغَلَ سِرَّهُ بِذِكْرِهِ، وَالِاسْتِمْدَادِ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ لِمَا فُهِمَ مِنْهُمَا أَنَّهُ الْمُنْعِمُ الْحَقِيقِيُّ وَالْمُولِي لِلنِّعَمِ كُلِّهَا عَاجِلِهَا وَآجِلِهَا، وَيَرْحَمُ عِبَادَ اللَّهِ فَيُعَاوِنُ الْمَظْلُومَ وَيَصْرِفُ الظَّالِمَ عَنْ ظُلْمِهِ بِالطَّرِيقِ الْأَحْسَنِ، وَيُنَبِّهُ الْغَافِلَ وَيَنْظُرُ إِلَى الْعَاصِي بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ دُونَ الِازْدِرَاءِ وَيَجْتَهِدُ فِي إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ وَإِزَاحَتِهِ عَلَى أَحْسَنِ مَا يَسْتَطِيعُهُ، وَيَسْعَى فِي سَدِّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِينَ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَطَاقَتِهِ، فَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ. إِمَّا إِرَادَةُ الْإِنْعَامِ عَلَيْهِمْ وَدَفْعُ الضُّرِّ عَنْهُمْ فَيَكُونُ الِاسْمَانِ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، أَوْ نَفْسُ الْإِنْعَامِ وَالدَّفْعِ، فَيَعُودَانِ إِلَى صِفَاتِ الْأَفْعَالِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ صِفَةَ الذَّاتِ عَدَمُهَا يُوجِبُ نَقْصًا، وَلَا كَذَلِكَ صِفَةُ الْأَفْعَالِ. وَالرَّحْمَنُ: أَبْلَغُ مِنَ الرَّحِيمِ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمَبْنَى تَدُلُّ عَلَى مَزِيدِ الْمَعْنَى، وَذَلِكَ تَارَةً تُوجَدُ بِاعْتِبَارِ الْكَمِّيَّةِ، وَأُخْرَى بِاعْتِبَارِ الْكَيْفِيَّةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ قِيلَ: يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا، لِأَنَّهُ يَعُمُّ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ، وَرَحِيمَ الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ يَخُصُّ الْمُؤْمِنَ، وَعَلَى الثَّانِي قِيلَ: يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَرَحِيمَ الْآخِرَةِ، لِأَنَّ النِّعَمَ الْأُخْرَوِيَّةَ بِأَسْرِهَا تَامَّةٌ، وَالنِّعَمُ الدُّنْيَوِيَّةُ تَنْقَسِمُ إِلَى جَلِيلٍ وَحَقِيرٍ، وَقَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَتَامٍّ وَغَيْرِ تَامٍّ، وَكَانَ مَعْنَى الرَّحْمَنِ هُوَ الْمُنْعِمُ الْحَقِيقِيُّ تَامُّ الرَّحْمَةِ عَمِيمُ الْإِحْسَانِ، وَلِذَلِكَ لَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى، وَيُقَالُ لَهُ خَاصُّ اللَّفْظِ عَامُّ الْمَعْنَى، بِخِلَافِ الرَّحِيمِ فَإِنَّهُ عَامُّ اللَّفْظِ خَاصُّ الْمَعْنَى. (الْمَلِكُ) : أَيْ: ذُو الْمُلْكِ التَّامِّ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْإِيجَادِ وَالِاخْتِرَاعِ مِنْ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِكَذَا إِذَا تَمَكَّنَ مِنْهُ، فَيَكُونُ مِنْ أَسْمَاءِ الصِّفَاتِ كَالْقَادِرِ، وَقِيلَ: الْمُتَصَرِّفُ فِي الْأَشْيَاءِ بِالْإِيجَادِ وَالْإِفْنَاءِ وَالْإِمَاتِهِ وَالْإِحْيَاءِ، فَيَكُونُ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ كَالْخَالِقِ، وَقِيلَ: وَمَوْقِعُ الْمَلِكِ فِي الْحَدِيثِ كَمَوْقِعِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ فِي التَّنْزِيلِ عَلَى أُسْلُوبِ التَّكْمِيلِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ مَا دَلَّ عَلَى النِّعَمِ وَالْأَلْطَافِ أَرْدَفَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْغَلَبَةِ وَالْقُوَّةِ، وَأَنَّهُ الْمَلِكُ الْحَقِيقِيُّ، وَأَنَّهُ لَا مَالِكَ سِوَاهُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ مُحْتَاجٌ فِي الْوُجُودِ إِلَيْهِ تَعَالَى، وَالِاحْتِيَاجُ مِمَّا يُنَافِي الْمُلْكَ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُلْكٌ مُطْلَقٌ، بَلْ يُضَافُ إِلَيْهِ مَجَازًا. ثُمَّ لَمَّا وَصَفَهُ بِمَا قَدْ يُوصَفُ بِهِ الْمَخْلُوقُ، وَكَانَ مَظِنَّةً لِلتَّشْبِيهِ أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: (الْقُدُّوسُ) : وَهَلُمَّ جَرًّا بِتَتَابُعِ سَائِرِ الْأَسْمَاءِ فِي الثَّنَاءِ، وَهُوَ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ أَيِ: الطَّاهِرُ الْمُنَزَّهُ فِي نَفْسِهِ عَنْ سِمَاتِ النُّقْصَانِ، ثُمَّ وَظِيفَةُ الْعَارِفِ مِنَ اسْمِ الْمَلِكِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَغْنِي عَلَى الْإِطْلَاقِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَمَا عَدَاهُ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ وَجُودُهُ وَبَقَاؤُهُ وَمُسَخَّرٌ لِحُكْمِهِ وَقَضَائِهِ، فَيَسْتَغْنِي عَنِ النَّاسِ رَأْسًا وَيَسْتَبِدُّ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَمْلَكَتِهِ الْخَاصَّةِ الَّتِي هِيَ قَلْبُهُ وَقَالَبُهُ، وَالتَّسَلُّطِ عَلَى جُنُودِهِ وَرَعَايَاهُ مِنَ الْقُوَى وَالْجَوَارِحِ وَاسْتِعْمَالِهَا فِيمَا فِيهِ خَيْرُ الدَّارَيْنِ، وَفِي مَعْنَاهُ قِيلَ: مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ فَهُوَ حُرٌّ وَالْعَبْدُ مَنْ يَمْلِكُهُ هَوَاهُ.
وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: مَنْ عَرَفَ أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْقُدُّوسُ تَسْمُو هِمَّتُهُ إِلَى أَنْ يُطَهِّرَهُ الْحَقُّ مِنْ عُيُوبِهِ وَآفَاتِهِ، وَيُقَدِّسَهُ عَنْ دَنَسِ آثَامِهِ فِي جَمِيعِ حَالَاتِهِ، فَيَحْتَالُ فِي تَصْفِيَةِ وَقْتِهِ عَنِ الْكُدُورَاتِ، وَيَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ بِحُسْنِ اسْتِعَانَتِهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، فَإِنَّ مَنْ طَهَّرَ اللَّهُ لِسَانَهُ عَنِ الْغِيبَةِ طَهَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ عَنِ الْغِيبَةِ، وَمَنْ طَهَّرَ اللَّهُ سِرَّهُ عَنِ الْحَجْبَةِ مِنَ الْقُرْبَةِ

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 4  صفحه : 1564
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست