responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 4  صفحه : 1419
2052 - وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخْتَصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2052 - (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ» ") قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ صَلَاةٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقِيَامَ أَعَمُّ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ " مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي " قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَهْيٌ صَرِيحٌ عَنْ تَخْصِيصِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِصَلَاةٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ الْمُبْتَدَعَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالرَّغَائِبِ، وَقَدْ صَنَّفَ الْعُلَمَاءُ مُصَنَّفَاتٍ فِي تَقْبِيحِهَا وَتَضْلِيلِ وَاضِعِهَا اهـ وَلَعَلَّ وَجْهَ النَّهْيِ عَنْ زِيَادَةِ الْعِبَادَةِ عَلَى الْعَادَةِ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ إِبْقَاءٌ لِلْقَوِيِّ عَلَى الْقِيَامِ بِوَظَائِفِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ " وَلَا تَخْتَصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ " قَالَ الطِّيبِيُّ: يَوْمَ نُصِبَ مَفْعُولٌ بِهِ كَقَوْلِهِ: وَيَوْمَ شَهِدْنَاهُ، وَالِاخْتِصَاصُ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ، وَفِي الْحَدِيثِ مُتَعَدٍّ، قَالَ الْمَالِكِيُّ: الْمَشْهُورُ فِي اخْتَصَّ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِ (خَصَّ) فِي التَّعَدِّي إِلَى مَفْعُولٍ، وَبِذَلِكَ جَاءَ قَوْلُهُ - تَعَالَى - {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 105] وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَلَا يَخْتَصُّ قَوْمًا، وَقَدْ يَكُونُ اخْتَصَّ مُطَاوِعَ خَصَّ فَلَا يَتَعَدَّى كَقَوْلِكَ: خَصَصْتُكَ لَا لِشَيْءٍ فَاخْتَصَصْتَ بِهِ اهـ وَكَانَ مَحَلُّ هَذَا الْكَلَامِ صَدْرَ الْحَدِيثِ وَهُوَ لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ كَمَا لَا يَخْفَى لَكَ، لَكِنْ تَبِعْنَاهُ مُرَاعَاةً لِلَّفْظِ، وَلَعَلَّ فِي نُسْخَةٍ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا فَيَكُونُ أَيْضًا مُحَافَظَةً عَلَى أَصْلِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَفْعُولٌ بِهِ نَحْوَ قَوْلِهِ - تَعَالَى - {يَخَافُونَ يَوْمًا} [النور: 37] فَالظَّاهِرُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ عَذَابُ يَوْمٍ، لِأَنَّ الْيَوْمَ لَا يُخَافُ، وَقَوْلُهُمْ: يَوْمٌ مَخُوفٌ أَيْ مَخُوفٌ فِيهِ، أَوْ عَلَى الْمَجَازِ مُبَالَغَةً (إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ) تَقْدِيرُهُ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَاقِعًا فِي يَوْمِ صَوْمٍ (يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ) أَيْ مِنْ نَذْرٍ أَوْ وِرْدٍ، الظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ كَذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ تَرَكَ ذِكْرَهُ لِلْمُقَايَسَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَبْلَ عِلَّةِ النَّهْيِ عَنِ الِاخْتِصَاصِ قَدْ تَقَدَّمَ، وَقَالَ الْمُظْهِرُ: هُنَا قِيلَ عِلَّةُ النَّهْيِ تَرْكُ مُوَافَقَةِ الْيَهُودِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ بَيْنِ الْأُسْبُوعِ، يَعْنِي عَظَّمَتِ الْيَهُودُ السَّبْتَ فَلَا تُعَظِّمُوا الْجُمُعَةَ خَاصَّةً بِصِيَامٍ وَقِيَامٍ، وَأَقُولُ: لَوْ كَانَتِ الْعِلَّةُ مُخَالَفَةَ الْيَهُودِ لَكَانَ الصَّوْمُ أَوْلَى لِأَنَّهُمَا يَسْتَرِيحُونَ فِيهِ، وَيَتَمَتَّعُونَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَمِصْدَاقُهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ هَذَا الْبَابِ اهـ وَفِيهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُودُ الْمُخَالَفَةِ لَهُمْ فِي تَعْظِيمِ يَوْمِهِمُ الْمُعَظَّمِ عِنْدَهُمْ بِأَيْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الِاخْتِصَاصِ، وَلَوْ كَانَ عِبَادَةً وَمُخَالَفَةً لَهُمْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، مَعَ أَنَّهُ وَرَدَ: لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ النَّهْيَ لِمُخَالَفَتِهِمْ وَلَعَلَّهُمْ طَائِفَتَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ قَالَ: وَلَكِنَّ الْعِلَّةَ وُرُودُ النَّصِّ وَتَخْصِيصُ كُلِّ يَوْمٍ بِعِبَادَةٍ لَيْسَتْ لِيَوْمٍ آخَرَ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَدِ اسْتَأْثَرَ الْجُمُعَةَ بِفَضَائِلَ لَمْ يَسْتَأْثِرْ بِهَا غَيْرَهَا، فَجَعَلَ الِاجْتِمَاعَ فِيهِ لِلصَّلَاةِ فَرْضًا عَلَى الْعِبَادِ فِي الْبِلَادِ، فَلَمْ يَرَ أَنْ يَخُصَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ سِوَى مَا خُصَّ بِهِ ثُمَّ خَصَّ بَعْضَ الْأَيَّامِ بِعَمَلٍ دُونِ مَا خَصَّ بِهِ غَيْرَهُ لِيَخْتَصَّ كُلٌّ مِنْهَا بِنَوْعٍ مِنَ الْعَمَلِ لِيُظْهِرَ فَضِيلَةَ كُلِّ مَا يَخْتَصُّ بِهِ اهـ وَفِيهِ أَنَّ اسْتِيثَارَ الْجُمُعَةِ بِفَضَائِلَ كَثِيرَةٍ لَا يَقْتَضِي مَنْعَ الصَّوْمِ فِيهَا، لَيْسَ مِنَ اللَّهِ بِمُسْتَنْكَرٍ أَنْ يَجْمَعَ الْعَالَمَ فِي وَاحِدٍ مَعَ أَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ النَّهْيُ مُطْلَقًا لَكَانَ الْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ نَهَاهُمْ تَهْوِينًا وَتَسْهِيلًا لِلْأَمْرِ عَلَيْهِمْ، كَمَا قِيلَ فِي كَرَاهَةِ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَوْ يُقَالُ تَشْبِيهًا بِيَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ عِيدُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَلِذَا سُمِّيَ فِي الْجَنَّةِ بِيَوْمِ الْمَزِيدِ لِحُصُولِ الْحُسْنَى وَالزِّيَادَةِ فِيهِ لِلْمُرِيدِ، لَكِنْ حَيْثُ اسْتَثْنَى الشَّارِعُ ضَمَّ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ تَحَيَّرَتِ الْأَفْكَارُ وَاضْطَرَبَتِ الْأَنْظَارُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْأَسْرَارِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَجَاءَ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ أَيْضًا أَنَّ جَابِرًا سُئِلَ: أَنْهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، وَوَرَدَ فِي خَبَرٍ صَحِيحٍ: «يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ، إِلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ» ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: فِي إِسْنَادِهِ مَجْهُولٌ، لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَفِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ فَيَتَحَصَّلُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى تَهْوِينًا عَلَى أُمَّتِهِ، فَإِنَّهُ رَحْمَةٌ لِلْعَالِمِينَ، وَلَمَّا كُلِّفُوا بِعِبَادَاتٍ فِيهِ خَافَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَضُمُّوا إِلَيْهَا الصَّوْمَ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذِهِ الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ هَذِهِ الْمِلَّةِ هِيَ السَّمْحَاءُ الْحَنِيفِيَّةُ، فَمَنَعَهُمْ عَنْ إِفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ عِيدٌ لَهُمْ فَيُنَاسِبُهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ الْمُنَافِي لِلْعِيدِ الْمُقْتَضِي لِلْإِعَانَةِ عَلَى الطَّاعَةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْمُخَالَفَةِ لِلْمُخَالِفِينَ كَمَا سَبَقَ، أَوْ لِذَا قِيلَ: الْعِلَّةُ فِيهِ أَنْ لَا يُبَالَغَ فِي تَعْظِيمِهِ كَالْيَهُودِ فِي السَّبْتِ وَالنَّصَارَى فِي الْأَحَدِ، وَقِيلَ: لِئَلَّا يُعْتَقَدَ وُجُوبُهُ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ نَظِيرَ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ، حَيْثُ لَا يُكْرَهُ إِذَا كَانَ وَافَقَ يَوْمًا اعْتَادَهُ، أَوْ ضَمَّ إِلَيْهِ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ يَكُونُ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ.

2053 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2053 - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ) أَيْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَمَشَقَّةِ الْغَزْوِ، أَوْ مَعْنَاهُ مَنْ صَامَ يَوْمًا لِوَجْهِ اللَّهِ " بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ " أَيْ ذَاتَهُ " عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا " أَيْ مِقْدَارَ مَسَافَةِ سَبْعِينَ سَنَةً (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) فِي النِّهَايَةِ الْخَرِيفُ الزَّمَانُ الْمَعْرُوفُ مَا بَيْنَ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ، يُرَادُ بِهِ السَّنَةُ لِأَنَّ الْخَرِيفَ لَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِذَا انْقَضَى الْخَرِيفُ انْقَضَى السَّنَةُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِنَّمَا خُصَّ بِالذِّكْرِ دُونَ سَائِرِ الْفُصُولِ لِأَنَّهُ زَمَانُ بُلُوغِ حُصُولِ الثِّمَارِ وَحَصَادِ الزَّرْعِ وَسَعَةِ الْعَيْشِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: كَأَنَّ قَائِلَ هَذَا فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْخَرِيفِ مَا هُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْعَرَبِ وَهُوَ فَصْلُ الصَّيْفِ دُونَ الْخَرِيفِ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ، وَهُوَ مَا أَوَّلُهُ الْمِيزَانُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ اهـ وَهُوَ غَرِيبٌ مِنْهُ إِذْ كَيْفَ يَخْفَى مِثْلُ هَذَا عَلَى الْفَاضِلِ الْعَلَّامَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي بِلَادِهِ فَلَّاحٌ وَلَا جِلْفٌ إِلَّا وَيَعْرِفُ الْخَرِيفَ مِنَ الصَّيْفِ، مَعَ أَنَّ كَلَامَ صَاحِبِ النِّهَايَةِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الصَّيْفَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ظُهُورَ الْأَزْهَارِ وَالثِّمَارِ لَا يَكُونُ مُبْتَدَأً إِلَّا مِنْ أَوَّلِ الْحَمْلِ مُنْتَهِيًا إِلَى الصَّيْفِ، فَإِذَا دَخَلَ الْخَرِيفُ خَرَفَ الثِّمَارَ أَيْ جَنَى، وَهَذَا هُوَ وَجْهُ التَّشْبِيهِ، فَفِي الْقَامُوسِ: خَرِيفٌ كَأَمِيرٍ، ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بَيْنَ الْقَيْظِ وَالشِّتَاءِ يَخْتَلِفُ فِيهِ الثِّمَارُ، فَهَذِهِ كُتُبُ لُغَةِ الْعَرَبِ نَاطِقَةٌ بِأَنَّ الْخَرِيفَ عِنْدَهُمْ مَا أَوَّلُهُ الْمِيزَانُ، وَهُوَ زَمَانُ انْتِهَاءِ الْإِثْمَارِ وَالْفَوَاكِهِ، وَكَأَنَّهُ بِانْتِهَائِهِ يَنْتَهِي السَّنَةُ، لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ لَيْسَ إِلَّا الْبَرْدُ وَهُوَ عَدُوٌّ لَا يُعَدُّ زَمَانُهُ مِنَ الْعُمْرِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْخَرِيفَ عِنْدَ الْعَرَبِ هُوَ الصَّيْفُ فَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ، وَلَعَلَّهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ وَقْتُ كَثْرَةِ الْفَوَاكِهِ وَعَيْنُ زَمَانِ إِكْثَارِ الثِّمَارِ، وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ لَوْ صَحَّ، وَأَمَّا الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ مَا ذَكَرْنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ الْعَجَمِيُّ لَوْ أَخْطَأَ فِي مَعْرِفَةِ كَلَامِ الْعَرَبِ لَيْسَ بِعَجِيبٍ، إِنَّمَا الْغَرِيبُ مِنَ الْعَرَبِيِّ أَنْ لَا يَفْهَمَ كَلَامَهُ وَلَا يُرَتِّبَ نِظَامَهُ، وَلِذَا مُدِحُوا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَوْ كَانَ الْعِلْمُ فِي الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ فَارِسٍ» "، وَلَقَدْ ظَهَرَ مِصْدَاقُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَضَمِّنِ لِكَرَامَتِهِ أَنَّ الْعُلُومَ الشَّرْعِيَّةَ فَضْلًا عَنْ سَائِرِ الْفَضَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ انْتَهَتْ تَحْقِيقَاتُهَا إِلَى عُلَمَاءِ الْعَجَمِ مِنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْعَقَائِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، حَتَّى قِيلَ: انْتَقَلَ الْعِلْمُ مِنَ الْعَرَبِ إِلَى الْعَجَمِ ثُمَّ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهِمْ.

2054 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «يَا عَبْدَ اللَّهِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " فَلَا تَفْعَلْ ; صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، لَا صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ، صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، صُمْ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَاقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ " قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: " صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ، صَوْمَ دَاوُدَ صِيَامُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ، وَاقْرَأْ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً، وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2054 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يَا عَبْدَ اللَّهِ ") يَحْتَمِلُ الْعِلْمِيَّةَ وَالْوَصْفِيَّةَ " أَلَمْ أُخْبَرْ " عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ " أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ " أَيْ وَلَا تُفْطِرُ " وَتَقُومُ اللَّيْلَ " أَيْ جَمِيعَهُ وَلَا تَنَامُ " فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ " قَالَ الطِّيبِيُّ: جَوَابٌ عَمَّا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ أَلَمْ أُخْبَرْ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا أَخْبَرَ عَمَّا فَعَلَهُ مِنَ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ كَأَنَّهُ قِيلَ: أَلَمْ تَصُمِ النَّهَارَ أَلَمْ تَقُمِ اللَّيْلَ؟ فَقَالَ: بَلَى اهـ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ الصَّحَابِيَّ لَمْ يَدْرِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ أُخْبِرَ أَمْ لَا، فَكَيْفَ يَقُولُ بَلَى؟ فَإِنَّ مَعْنَاهُ بَلَى أُخْبِرْتَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لِلتَّقْرِيرِ، وَحَمْلِ الْمُخَاطَبِ عَلَى الْإِقْرَارِ، فَقَالَ: بَلَى، سَوَاءٌ يَكُونُ الْمُخْبِرُ الْوَحْيَ أَوْ غَيْرَهُ لِمُطَابَقَتِهِ الْوَاقِعَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (قَالَ: " فَلَا تَفْعَلْ ") فَإِنَّهُ مُضِرٌّ لَكَ لِأَنَّهُمَا يُؤَدِّيَانِ إِلَى ضَعْفِ الْبَدَنِ الْمُفْضِي إِلَى تَرْكِ بَعْضِ الْعِبَادَاتِ الضَّرُورِيَّةِ، وَلَوْ فِي آخِرِ الْأَمْرِ مِنَ الْعُمْرِ " صُمْ " وَقْتَ النَّشَاطِ وَهُوَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، أَوْ وَقْتَ طُغْيَانِ النَّفْسِ لِتُنْكِرَ صُورَتُهَا " وَأَفْطِرْ " وَقْتَ السَّآمَةِ وَالْمَلَالَةِ وَجُمُودِ النَّفْسِ وَكَسْرِ شَهَوَاتِهَا، صُمْ أَيَّامَ الْفَوَاصِلِ لِإِدْرَاكِ الْفَضَائِلِ، وَأَفْطِرْ فِي غَيْرِهَا لِتَقْوِيَةِ الْبَدَنِ وَتَحْسِينِ الْأَخْلَاقِ الشَّمَائِلِ " وَقُمْ " أَوَّلَ اللَّيْلِ وَآخِرَهُ " وَنَمْ " مَا بَيْنَهُمَا وَاسْمَعْ نَصِيحَةَ الطَّبِيبِ الْحَبِيبِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ الْعِلَّةِ، فَكَيْفَ وَقَدْ بَيَّنَهَا لِقَوْلِهِ " فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا " بِمُحَافَظَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَالْقِيَامِ وَالنِّيَامِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِصِيَامِ الْأَيَّامِ وَقِيَامِ اللَّيَالِي عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ انْحِلَالٌ لِلْقُوَى، وَاخْتِلَالٌ لِلْبَدَنِ عَنِ النِّظَامِ، فَلَا يَجُوزُ لَكَ إِضَاعَتُهُ بِتَفْرِيطِهِ وَإِضْرَارِهِ بِإِفْرَاطِهِ، بِحَيْثُ تَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ وَقَضَاءِ الْحُقُوقِ فِي الْحَالَاتِ، وَالْحَاصِلُ اعْتَدِلْ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا " وَإِنَّ لِعَيْنِكَ " قِيلَ: لِبَاصِرَتِكَ، وَقِيلَ: لِذَاتِكَ

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 4  صفحه : 1419
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست