responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 3  صفحه : 1188
1640 - «وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الْمَيِّتُ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1640 - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ. دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ جَدِيدٍ. (فَلَبِسَهَا، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " «الْمَيِّتُ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا» ) ": فِي النِّهَايَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَمَّا أَبُو سَعِيدٍ، فَقَدِ اسْتَعْمَلَ الْحَدِيثَ فِي ظَاهِرِهِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ الْكَفَنِ أَحَادِيثُ. قَالَ: وَقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْمَعْنَى، وَأَرَادَ بِهِ الْحَالَةَ الَّتِي يَمُوتُ عَلَيْهَا مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَعَمَلَهُ الَّذِي يَخْتِمُ. يُقَالُ: فُلَانٌ ظَاهِرُ الثِّيَابِ إِذَا وَصَفُوهُ بِطَهَارَةِ النَّفْسِ وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الْعَيْبِ، وَجَاءَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] أَيْ: عَمَلَكَ فَأَصْلِحْ، وَيُقَالُ: فُلَانٌ دَنِسُ الثِّيَابِ إِذَا كَانَ خَبِيثَ النَّفْسِ وَالْمَذْهَبِ، وَهُوَ كَالْحَدِيثِ الْآخَرِ «يُبْعَثُ الْعَبْدُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ» . قَالَ الْهَرَوِيُّ: وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْأَكْفَانِ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِنَّمَا يُكَفَّنُ بَعْدَ الْمَوْتِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَقَدْ كَانَ فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَنْ يَقْصُرُ فَهْمُهُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ عَنِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ، وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ، فَلَا يُعَدُّ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ سَمِعَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: " {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] فَعَمَدَ إِلَى عِقَالَيْنِ أَسْوَدَ وَأَبْيَضَ، فَوَضَعَهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِهِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَقَدْ رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَقَالَ: الْبَعْثُ غَيْرُ الْحَشْرِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَعْثُ مَعَ الثِّيَابِ وَالْحَشْرُ عَلَى الْعُرْيِ وَالْحِفَاءِ. قَالَ الشَّيْخُ: وَلَمْ يَصْنَعْ هَذَا الْقَائِلُ شَيْئًا، فَإِنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ نَصَرَ السُّنَّةَ، وَقَدْ ضَيَّعَ أَكْثَرَ مِمَا حَفِظَ فَإِنَّهُ سَعَى فِي تَحْرِيفِ سُنَنٍ كَثِيرَةٍ لِيُسَوِّيَ كَلَامَ أَبِي سَعِيدٍ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَفْضَلِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبَيْهِ. وَقَالَ: إِنَّمَا هُمَا لِلْمُهْلِ وَالتُّرَابِ، ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ " «الْمَيِّتُ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا» " لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهَا عَلَى الْأَكْفَانِ ; لِأَنَّهَا بَعْدَ الْمَوْتِ اهـ. وَفِيهِ: أَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الصِّدِّيقِ عَلَى الْمُهْلِ ابْتِدَاءً، وَكَلَامِ أَبِي سَعِيدٍ عَلَى خَلْقِهِ انْتِهَاءً فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا. قَالَ الْقَاضِي: الْعَقْلُ لَا يَأْبَى حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ حَسَبَ مَا فَهِمَ مِنْهُ الرَّاوِي، إِذْ لَا يَبْعُدُ إِعَادَةُ ثِيَابِهِ الْبَالِيَةِ، كَمَا لَا يَبْعُدُ إِعَادَةُ عِظَامِهِ النَّاخِرَةِ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى جَوَازِ إِعَادَةِ الْمَعْدُومِ لَا تَخْصِيصَ لَهُ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ، غَيْرَ أَنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ: «يُحْشَرُ النَّاسُ عُرَاةً» حَمَلَ جُمْهُورَ أَهْلِ الْمَعَانِي، وَبَعَثَهُمْ عَلَى أَنْ أَوَّلُوا الثِّيَابَ بِالْأَعْمَالِ الَّتِي يَمُوتُ عَلَيْهَا مِنَ الصَّالِحَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يُلَابِسُهَا كَمَا يُلَابِسُ الْمَلَابِسَ، فَاسْتُعِيرَ لَهَا الثِّيَابُ. قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْحَشْرَ غَيْرُ الْبَعْثِ، فَجَازَ كَوْنُ هَذَا بِالثِّيَابِ، وَذَلِكَ بِالْعُرْيِ، أَوِ الْمُرَادُ اكْتِسَاؤُهُ بِهِ حِينَ فَرَاغِهِ مِنَ الْحِسَابِ اهـ.
وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: يُحْشَرُونَ عُرَاةً أَوَّلًا، ثُمَّ يَلْبَسُونَ كَمَا وَرَدَ: أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ إِلَى مَوْقِفِ الْحِسَابِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَأَمَّا الْعُذْرَةُ مِنْ جِهَةِ الصَّحَابِيِّ، فَأَنْ يُقَالَ عَرَفَ مَغْزَى الْكَلَامِ، لَكِنَّهُ سَلَكَ مَسْلَكَ الْإِبْهَامِ، وَحَمَلَ الْكَلَامَ عَلَى غَيْرِ مَا يَتَرَقَّبُ، وَنَحْوُهُ فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] حَيْثُ قَالَ: أَزِيدُ عَلَى السَبْعِينَ إِظْهَارًا لِغَايَةِ رَحْمَتِهِ وَرَأْفَتِهِ عَلَى مَنْ بُعِثَ إِلَيْهِمْ اهـ.
وَيُمْكِنُ أَنَّ الصَّحَابِيَّ أَيْضًا حَمَلَ الْمَحَلَّ عَلَى الْمَعْنَى، وَجَعَلَ تَبْدِيلَ ثِيَابِهِ الْوَسِخَةِ وَالْعَتِيقَةِ، بِثِيَابِهِ النَّظِيفَةِ أَوِ الْجَدِيدَةِ مِنْ جُمْلَةِ أَعْمَالِهِ الْحَسَنَةِ، فَإِنَّهُ اسْتِقْبَالٌ لِلْمَلَائِكَةِ الْمُكَرَّمَةِ، وَتَهَيُّؤٌ لِلْقُدُومِ عَلَى أَرْوَاحِ الْحَضَرَاتِ الْمُعَظَّمَةِ، وَلِذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى الطَّهَارَةِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «مَنْ أَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ أُعْطِيَ الشَّهَادَةَ» " فَالنَّظَافَةُ الظَّاهِرَةُ لَهَا تَأْثِيرٌ بَلِيغٌ فِي اسْتِجْلَابِ الطَّهَارَةِ الْبَاطِنَةِ، مَعَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ يُبْعَثُ عَلَى عَمَلِهِ الَّذِي يَخْتِمُ بِهِ إِلَّا هَذَا بِأَنْ يَكُونَ عَلَى عَمَلِ الطَّاعَةِ، وَالرِّضَا بِالْقَضَاءِ، وَالتَّسْلِيمِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ الْكَرِيمِ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِفَضْلِهِ الْعَظِيمِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمَا مَا وَصَّى أَنْ تُجْعَلَ تِلْكَ الثِّيَابُ أَكْفَانًا لَهُ، مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعُلَمَاءِ قَالُوا: إِنَّ الْمَلْبُوسَ أَوْلَى.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ مَذْهَبِنَا ; لِأَنَّ مَآلَهُ لِلْبِلَى، وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ اخْتَارَ الْخَلِقَ. وَقَالَ: الْحَيُّ أَوْلَى بِالْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ، ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْكَفَنَ إِنَّمَا هُوَ لِدَمِ الْمَيِّتِ وَصَدِيدِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا تَوَاضُعٌ مِنْهُ، وَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى جَوَازِ كَفَنِ الْخَلِقِ أَيْضًا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَرَوَى الْمَرْفُوعَ مِنْهُ فَقَطِ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ.

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 3  صفحه : 1188
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست