responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 1  صفحه : 275
الْعُلُومِ الْمُخْتَلِفَةِ كَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْفَرَائِضِ وَالتَّصَوُّفِ لِسَعَةِ صُدُورِهِمْ وَشَرْحِ قُلُوبِهِمْ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أُمَّةً جَامِعًا لِلشَّمَائِلِ السَّنِيَّةِ وَالْفَضَائِلِ الْبَهِيَّةِ لَا تُوجَدُ غَالِبًا إِلَّا فِي جَمَاعَةٍ، وَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُمْ فَقَدِ افْتَرَقُوا فَبَعْضُهُمْ صَارَ مُفَسِّرًا وَبَعْضُهُمْ مُحَدِّثًا وَغَيْرُ ذَلِكَ لِعَدَمِ تِلْكَ الْقَابِلِيَّةِ الْعُظْمَى وَالِاسْتِعْدَادَاتِ الْكَامِلَةِ الْعُلْيَا، وَلِذَا اعْتَرَضَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ السُّيُوطِيُّ عَلَى الْعَلَّامَةِ التَّفْتَازَانِيِّ فِي قَوْلِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة: 189] أَنَّ الْجَوَابَ مِنْ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ فَإِنَّهُمْ مَا كَانُوا يُدْرِكُونَ تَحْقِيقَ مَاهِيَّةِ الْأَهِلَّةِ، وَلِذَا عَدَلَ إِلَى قَوْلِهِ: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] مَعَ أَنَّ السَّائِلَ مِنْ أَجِلَّاءِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ الَّذِي قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَقِّهِ: " هُوَ أَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ". (وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا) أَيْ: فِي الْعَمَلِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَمْشُونَ حُفَاةً، وَيُصَلُّونَ عَلَى الْأَرْضِ، وَيَأْكُلُونَ مِنْ كُلِّ آنِيَةٍ، وَيَشْرَبُونَ مِنْ سُؤْرِ النَّاسِ، وَكَذَا فِي الْعِلْمِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِمْ، وَيَقُولُونَ فِيمَا لَا يَدْرُونَ: لَا نَدْرِي، وَكَانُوا يَتَدَافَعُونَ الْفَتْوَى عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَيُشِيرُونَ إِلَى مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ، وَكَذَا فِي الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتْلُونَ الْقُرْآنَ حَقَّ تِلَاوَتِهِ عَلَى لُحُونِ الْعَرَبِ مِنْ غَيْرِ النَّغَمَاتِ وَالتَّمْطِيطَاتِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَا فِي الْأَحْوَالِ الْبَاطِنِيَّةِ فَإِنَّهُمْ مَا كَانُوا يَرْقُصُونَ وَلَا يَصِيحُونَ وَلَا يُطِيحُونَ وَلَا يَطْرُقُونَ، وَلَا يَجْتَمِعُونَ لِلْغِنَاءِ وَالْمَزَامِيرِ، وَلَا يَتَحَلَّقُونَ لِلْأَذْكَارِ وَالصَّلَوَاتِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَا فِي بُيُوتِهِمْ، بَلْ كَانُوا فَرْشِيِّينَ بِأَبْدَانِهِمْ، عَرْشِيِّينَ بِأَرْوَاحِهِمْ، كَائِنِينَ مَعَ الْخَلْقِ فِي الظَّاهِرِ، بَائِنِينَ عَنِ الْخَلْقِ مَعَ الْحَقِّ فِي الْبَاطِنِ، وَكَانُوا يَلْبَسُونَ مَا تَيَسَّرَ لَهُمْ مِنَ الصُّوفِ وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ، غَيْرَ مُتَقَيِّدِينَ بِالْأَوْصَافِ الْمَخْصُوصَةِ وَالْمُرَقَّعَاتِ الْمُنْتَقَشَةِ، وَكَانُوا يَأْكُلُونَ مَا تَهَيَّأَ لَهُمْ مِنَ الْحَلَالَاتِ وَالْمُسْتَلَذَّاتِ، غَيْرَ مُحْتَرِزِينَ مِنَ اللَّحْمِ أَوِ اللَّبَنِ أَوِ الْفَوَاكِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكُلُّ هَذَا بِتَرْبِيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُرَبِّي الْكَامِلِ الْمُكَمَّلِ الَّذِي قَالَ: " «أَدَّبَنِي رَبِّي فَأَحْسَنَ تَأْدِيبِي» " كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: (اخْتَارَهُمُ اللَّهُ) أَيْ: مِنْ بَيْنِ الْخَلَائِقِ (لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ) : الَّذِي كَانَ كَالْإِكْسِيرِ فِي كَمَالِ التَّأْثِيرِ (وَلِإِقَامَةِ دِينِهِ) : فَإِنَّهُمْ نَقَلَةُ أَقْوَالِهِ وَحَمَلَةُ أَحْوَالِهِ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، وَأَيْضًا جَاهَدُوا حَقَّ الْجِهَادِ حَتَّى فَتَحُوا الْبِلَادَ وَأَظْهَرُوا الدِّينَ لِلْعِبَادِ، مَعَ اشْتِغَالِهِمْ بِأَحْوَالِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، جَزَاهُمُ اللَّهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ خَيْرَ الْجَزَاءِ فِي يَوْمِ التَّنَادِ (فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ) أَيْ: عَلَى غَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ، أَيْ زِيَادَةَ قَدْرِهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالْغَزْوِ وَالْإِنْفَاقِ وَمَزِيَّةِ الثَّوَابِ وَغَيْرِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد: 10] (وَاتَّبِعُوهُمْ) : بِتَشْدِيدِ التَّاءِ أَيْ: كُونُوا مُتَّبِعِينَ لَهُمْ حَالَ كَوْنِكُمْ مَاشِينَ (عَلَى أَثَرِهِمْ) : بِفَتْحِهِمَا وَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ: عَقِبَهُمْ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، فَإِنَّهُمُ اتَّبَعُوا أَثَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا شَاهَدُوا مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» " (وَتَمَسَّكُوا) أَيْ: خُذُوا وَاعْمَلُوا (بِمَا اسْتَطَعْتُمْ) : وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عَجْزِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنِ الْمُتَابَعَةِ الْكَامِلَةِ، لَكِنْ مَا لَا يُدْرَكُ

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 1  صفحه : 275
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست