responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 1  صفحه : 223
قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: اعْلَمْ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ رُوحٌ نُورَانِيٌّ مِنْ عَالَمِ الْمَلَكُوتِ وَنَفْسٌ ظُلْمَانِيَّةٌ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا نِزَاعٌ وَشَوْقٌ إِلَى عَالَمِهِ فَغَايَةُ بَعْثَةِ الْأَنْبِيَاءِ تَزْكِيَةُ النُّفُوسِ عَنْ ظُلْمَةِ أَوْصَافِهَا، وَتَحْلِيَتُهَا بِأَنْوَارِ الْأَرْوَاحِ حَتَّى يَنْجَلِيَ فِيهَا أَنَّ الْمَوْجُودَ الْحَقِيقِيَّ ذَاتُ اللَّهِ وَصِفَاتُهُ وَأَفْعَالُهُ، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَدُقَّ بِمِطْرَقَةِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ تَمَرُّدَ النَّفْسِ إِلَى أَنْ تُؤْمِنَ بِذَلِكَ وَتَكْفُرَ بِطَاغُوتِ وُجُودِهِ وَوُجُودِ مَا سِوَى اللَّهِ، هَذَا هُوَ الدِّينُ الْحَنِيفِيُّ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهِ بِتَسْوِيلِ الشَّيْطَانِ غَيْرَ ذَلِكَ بِأَنْ أَيِسَ عَنِ الْحَقِّ وَشَكَّ فِي مَوَاعِيدِهِ وَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِغَيْرِهِ وَلَمْ يَنْسَلِخْ عَنْ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَلَمْ تَنْطَمِسْ ظُلُمَاتُ ذَاتِهِ فِي أَنْوَارِهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ لَمْ يَتَّبِعْ إِلَّا الشَّيْطَانَ مُرِيدًا لَعَنَهُ اللَّهِ، وَبِهَذَا يَتَعَيَّنُ لَكَ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَمَعَ جَمِيعَ أَمْرِ الْآخِرَةِ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَجَمِيعَ أَمْرِ الدُّنْيَا فِي كَلِمَةِ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَكَأَنَّهُ حَمَلَ الْأَعْمَالَ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُبَاحَةِ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النِّيَّاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

141 - وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» )
رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
141 - وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَمَّا بَعْدُ: الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ: أَمَّا بَعْدُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَتِهِ أَوْ مَوْعِظَتِهِ، لِأَنَّهُ فَصْلُ الْخِطَابَ وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ بَعْدَ تَقَدُّمِ قِصَّةٍ أَوْ حَمْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَوْلُهُ: بَعْدُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ بِحَذْفِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَعَ نِيَّةِ مَعْنَاهُ، أَيْ: بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ (فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ) ، أَيْ: مَا يُتَحَدَّثُ بِهِ وَيُتَكَلَّمُ فَالْفَاءُ لِمَا فِي إِمَّا مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ، أَيْ: مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَمَا ذُكِرَ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ أَيِ الْكَلَامِ (كِتَابُ اللَّهِ) : لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَا تَمَيَّزَ بِهِ مِنْ دَقَائِقِ عُلُومِ الْفَصَاحَةِ، وَالْبَلَاغَةِ، وَاشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ بَيَانِ كُلِّ شَيْءٍ تَصْرِيحًا أَوْ تَلْوِيحًا.
قَالَ تَعَالَى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] ، أَيْ: مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْعُقْبَى، كَالْعُلُومِ الِاعْتِقَادِيَّةِ، وَالْأَعْمَالِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْأَخْلَاقِ الْبَهِيَّةِ، وَالْأَحْوَالِ السُّنِّيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَقَدْ وَرَدَ فَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ وَاضِحَةٌ إِلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَخْلُوقٍ (وَخَيْرَ الْهَدْيِ) : بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى اسْمِ إِنَّ، وَرُوِيَ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ إِنَّ وَاسْمِهَا (هَدْيُ مُحَمَّدٍ) : وَالْهَدْيُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ: السِّيرَةُ، وَيُقَالُ: هُدِيَ هَدْيَهَ إِذَا سَارَ سِيرَتَهُ، وَلَا تَكَادُ تُطْلَقُ إِلَّا عَلَى طَرِيقَةٍ حَسَنَةٍ، وَلِذَا حَسُنَ إِضَافَةُ الْخَيْرِ إِلَيْهِ وَالشَّرِّ إِلَى الْأُمُورِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيَصِحُّ ضَمُّ الْهَاءِ وَفَتْحُ الدَّالِ اهـ.
وَاللَّامُ فِي الْهَدْيِ لِلِاسْتِغْرَاقِ لِأَنَّ اسْمَ التَّفْضِيلِ يُضَافُ إِلَى مَا هُوَ بَعْضٌ مِنْهُ، وَأَيْضًا الْمَقْصُودُ تَفْضِيلُ دِينِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ وَهَذَا تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ (وَشَرَّ الْأُمُورِ) : بِالنَّصْبِ وَقِيلَ بِالرَّفْعِ (مُحْدَثَاتُهَا) : بِفَتْحِ الدَّالِ يَعْنِي الْبِدَعَ الِاعْتِقَادِيَّةَ وَالْقَوْلِيَّةَ وَالْفِعْلِيَّةَ (وَكُلَّ بِدْعَةٍ) : بِالرَّفْعِ وَقِيلَ بِالنَّصْبِ (ضَلَالَةٌ) : قَالَ فِي " الْأَزْهَارِ "، أَيْ: كُلُّ بِدْعَةٍ سَيِّئَةٍ ضَلَالَةٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا ". وَجَمَعَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ الْقُرْآنَ، وَكَتَبَهُ زِيدٌ فِي الْمُصْحَفِ، وَجُدِّدَ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. قَالَ النَّوَوِيُّ: الْبِدْعَةُ كُلُّ شَيْءٍ عُمِلَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ، وَفِي الشَّرْعِ إِحْدَاثُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ: " كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ " عَامٌ مَخْصُوصٌ. قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي آخِرِ كِتَابِ " الْقَوَاعِدِ ": الْبِدْعَةُ إِمَّا وَاجِبَةٌ كَتَعَلُّمِ النَّحْوِ لِفَهْمِ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكَتَدْوِينِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَالْكَلَامِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَإِمَّا مُحَرَّمَةٌ كَمَذْهَبِ الْجَبْرِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْمُجَسِّمَةِ، وَالرَّدُّ عَلَى هَؤُلَاءِ مِنَ الْبِدَعِ الْوَاجِبَةِ لِأَنَّ حِفْظَ الشَّرِيعَةِ مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَإِمَّا مَنْدُوبَةٌ كَإِحْدَاثِ الرُّبُطِ وَالْمَدَارِسِ، وَكُلُّ إِحْسَانٍ لَمْ يُعْهَدْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَكَالتَّرَاوِيحِ أَيْ بِالْجَمَاعَةِ الْعَامَّةِ

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 1  صفحه : 223
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست