(1) كتاب الإيمان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(كتاب الإيمان) الكتاب مصدر بمعنى المكتوب، مأخوذ من "الكتب" بمعنى الجمع والضم، أي هذا مجموع الأحاديث الواردة في الإيمان، والكتاب عند المصنفين: عبارة عن طائفة من المسائل اعتبرت مستقلة شملت أنواعاً أي أبواباً، أو لم تشمل، وإنما عنون به مع ذكره الإسلام أيضاً لأنهما بمعنى واحد في الشرع، وعلى اعتبار المعنى اللغوي من الفرق يكون فيه إشارة إلى أنه الأصل، وقدمه لأنه أفضل الأمور على الإطلاق وأشرفها، ولأنه أول واجب على المكلف؛ ولأنه شرط لصحة العبادات المتقدمة على المعاملات، والكلام في الإيمان على أنواع: الأول: في معناه اللغوي، وقد أوضحه الزمخشري وابن تيمية وغيرهما، والثاني: في معناه الشرعي، واختلفوا فيه على أقوال، فقال الحنفية: الإيمان هو مجرد تصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما علم مجيئه به بالضرورة تفصيلاً في الأمور التفصيلية وإجمالاً في الأمور الإجمالية، تصديقاً جازماً ولو بغير دليل، فالإيمان بسيط عندهم غير مركب، لا يقبل الزيادة والنقصان من حيث الكمية، فجعلوه كالكلي المتواطئ لا تفاوت في صدقه على أفراده، واستدلوا على ذلك بوجوه، ذكرها العيني في شرح البخاري وغيره في غيره، لا يخلو واحد منها من الكلام، ثم المتكلمون منهم جعلوا الإقرار شرطاً لإجراء الأحكام، فمن صدق فهو مؤمن بينه وبين الله وإن لم يقر بلسانه، وقال الفقهاء منهم: الإقرار بالشهادتين ركن لكنه ليس بأصلي له كالتصديق، بل هو ركن زائد، ولهذا يسقط حالة الإكراه والعجز، قال القاري: والحق أنه ركن عند المطالبة به وشرط لإجراء الأحكام عند عدم المطالبة - انتهى. وفي المسايرة: وجعل الإقرار بالشهادتين ركناً من الإيمان هو الاحتياط بالنسبة إلى جعله شرطاً خارجاً عن حقيقة الإيمان - انتهى. وإنما جعل هؤلاء الإقرار بالشهادتين وبالتزام الطاعة ركناً أو شرطاً لإخراج تصديق أبي طالب وهرقل والذين قال الله فيهم: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً} [27: 14] من مسمى الإيمان الشرعي، وقال المرجئة: هو اعتقاد فقط، والإقرار باللسان ليس بركن فيه ولا شرط، فجعلوا العمل خارجاً من حقيقة الإيمان كالحنفية وأنكروا جزئيته، إلا أن الحنفية اهتموا به وحرضوا عليه وجعلوه سبباً سارياً في نماء الإيمان، وأما المرجئة فهدروه وقالوا: لا حاجة إلى العمل، ومدار النجاة هو التصديق فقط، فلا يضر المعصية عندهم مع التصديق، وقال الكرامية: هو نطق فقط، فالإقرار باللسان يكفي للنجاة عندهم سواء وجد التصديق أم لا، وقال السلف من الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من أصحاب الحديث: هو اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالأركان، فالإيمان عندهم مركب ذو أجزاء، والأعمال داخلة في حقيقة الإيمان، ومن ههنا نشأ لهم القول بالزيادة والنقصان بحسب الكمية، فهو كالكلي المشكك عندهم، واحتجوا لذلك بالآيات والأحاديث، وقد بسطها البخاري في جامعه، والحافظ ابن تيمية في كتاب الإيمان، قيل وهو مذهب المعتزلة والخوارج، إلا أن السلف لم يجعلوا أجزاء الإيمان متساوية الأقدام، فالأعمال عندهم كواجبات الصلاة لا