وقرأ إلى {وما يذكر إلا أولو الألباب} قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
الأخير هو الصحيح عندنا، وابن السمعاني: أنه أحسن الأقوال، والمختار على طريقة أهل السنة، وعلى القول الأول جرى المتأخرون. قال: ودلت الآية على أن بعض القرآن محكم، وبعضه متشابه، ولا يعارض ذلك قوله: {أحكمت آياته} [1:11] ولا قوله: {كتاباً متشابهاً مثاني} [23:39] ؛ لأن المراد بالإحكام في قوله: "أحكمت" الإتقان في النظم، وأن كلها حق من عند الله، والمراد بالمتشابه كونه يشبه بعضه بعضاً في حسن السياق والنظم أيضاً، وليس المراد اشتباه معناه على سامعه، وحاصل الجواب: أن المحكم ورد بإزاء معنيين، والمتشابه ورد بإزاء معنيين - انتهى. وقال العلامة القنوجى البوفالي في فتح البيان (ج1:ص6) أخذاً من فتح القدير (ج1:ص284، 287) للعلامة الشوكاني بعد ذكر الأقوال المختلفة في معنى المحكم والمتشابه ما نصه: والأولى أن يقال: إن المحكم هو الواضح المعنى، الظاهر الدلالة، إما باعتبار نفسه، أو باعتبار غيره، والمتشابه ما لا يتضح معناه، أو لا يظهر دلالته، لا باعتبار نفسه، ولا باعتبار غيره. وإذا عرفت هذا عرفت أن الاختلاف الذى قدمناه ليس كما ينبغى، وذلك لأن أهل كل قول عرفوا المحكم ببعض صفاته، وعرفوا المتشابه بما يقابلها. ثم بين ذلك مفصلاً من شاء الوقوف عليه رجع إليه، ثم قال: إن من جملة ما يصدق عليه تفسير المتشابه الذي قدمناه، فواتح السور فإنها غير متضحة المعنى، ولا ظاهرة الدلالة، لا بالنسبة إلى أنفسها؛ لأنه لا يدري من يعلم بلغة العرب ويعرف عرف الشرع، ما معنى الم، المر، طس، طسم، ونحوها.؛ لأنه لا يجد بيانها في شيء من كلام العرب، ولا من كلام الشرع، فهي غير متضحة المعنى لا باعتبارها في نفسها، ولا باعتبار أمر آخر يفسرها ويوضحها، ومثل ذلك الألفاظ المنقولة عن لغة العجم، والألفاظ العربية التي لا توجد في لغة العرب ولا في عرف الشرع ما يوضحها، وهكذا ما استاثر الله بعلمه كالروح وما في قوله: {إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام} إلى آخر الآية [34:31] ، ونحو ذلك، وهكذا ما كانت دلالته غير ظاهرة لا باعتبار نفسه، ولا باعتبار غيره، كورود الشيء محتملاً لأمرين احتمالاً لا يترجح أحدهما على الآخر باعتبار ذلك الشيء في نفسه، وذلك كالألفاظ المشتركة مع عدم ورود ما يبين المراد من معنى ذلك المشترك من الأمور الخارجة، وكذلك ورود دليلين متعارضين تعارضاً كلياً بحيث لا يمكن ترجيح أحدهما على الآخر باعتبار نفسه، ولا باعتبار أمرآخر يرجحه. وأما ما كان واضح المعنى باعتبار نفسه بأن يكون معروفاً في لغة العرب، أو عرف الشرع، أو باعتبار غيره، وذلك كالأمور الجملة التي ورد بيانها في موضع آخر من الكتاب العزيز أو السنة المطهرة، والأمور التى تعارضت دلالتها ثم ورد ما يبيّن راجحها من مرجوحها في موضع آخر من الكتاب أو السنة أو سائر المرجحات المعروفة عند أهل الأصول، المقبولة عند أهل الإنصاف، فلا شك أن هذه من المحكم لا من المتشابه، ومن زعم أنها من المتشابه فقد اشتبه عليه الصواب - انتهى. (وقرأ إلى: ومايذكر إلا أولو الألباب) والتتمة {فأما الذين في قلوبهم زيغ} أي ميل عن الحق إلى الباطل {فيتبعون ما تشابه منه} أي يبحثون عنه، ويتعلقون به، لينزلوه على مقاصدهم الفاسدة {ابتغاء الفتنة} أي طلباً منهم لفتنة الناس في دينهم، والتلبس عليهم، وإفساد ذوات بينهم، لا تحرياً للحق {وابتغاء تأويله} أي تفسيره على الوجه الذي