فإنما أنا بشر)) . رواه مسلم.
148 - (9) وعن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما مثلى ومثل ما بعثنى الله به كمثل رجل أتى قوماً، فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء النجاء. فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا، فانطلقوا على مهلهم، فنجوا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المذكور قبله، مع أن لفظة الرأي إنما أتى بها عكرمة على المعنى، لقوله في آخر الحديث "قال عكرمة أو نحو هذا" فلم يخبر بلفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - محققاً، قاله النووى. (فإنما أنا بشر) جزاء للشرط على تأويل "وإذا أمرتكم بشيء من رأيي وأخطئي فلا تستبعدوه، "فإنما أنا بشر أخطئ وأصيب" كما في رواية طلحة عند أحمد: والظن يخطئ ويصيب. وفي حديث طلحة عند مسلم: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظناً، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به. وفي حديث عائشة وأنس عند مسلم أيضاً: أنتم أعلم بأمور دنياكم. قال العلماء: ولم يكن هذا القول خبراًً، وإنما كان ظناً كما بيّنه. قالوا: ورأية - صلى الله عليه وسلم - في أمور المعايش وظنه كغيره، فلا يمتنع وقوع مثل هذا، ولا نقص في ذلك, وسببه تعلق هممه بالآخرة ومعارفها، وعدم الالتفات إلى الأمور الدنيوية. (رواه مسلم) في الفضائل، وله شاهد من حديث طلحة عند أحمد ومسلم وابن ماجه، ومن حديث عائشة عند مسلم، وابن ماجه.
148- قوله: (إنما مثلي) المثل الصفة العجيبة الشأن، يوردها البليغ على سبيل التشبيه لإرادة التقريب والتفهيم (أتى قوماً) أي لينذرهم بقرب عدوهم (بعيني) للتأكيد، ودفع المجاز، وهو بالتثنية وتشديد الياء الأخيرة (إني أنا النذير العريان) بضم العين وسكون الراء بعدها تحتية، من التعري، قيل: الأصل فيه أن رجلاً لقى جيشا فسلبوه وأسروه، فانفلت إلى قومه فقال: إني رأيت الجيش فسلبوني، فرأوه عرياناً فتحققوا صدقه؛ لأنهم كانوا يعرفونه ولا يتهمونه في النصيحة، ولا جرت عادته بالتعري، فقطعوا صدقه بهذه القرائن، فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - لنفسه ولما جاء به مثلاً بذلك لما أبداه من الخوارق والمعجزات الدالة على صدقة تقريباً لأفهام المخاطبين بما يألفونه ويعرفونه. وقيل: المراد المنذر الذي تجرد عن ثوبه، وأخذ يرفعه ويديره حول رأسه إعلاماً لقومه بالغارة. وكان من عادتهم أن الرجل، إذا رأى الغارة فجأتهم، وأراد إنذار قومه يتعرى من ثيابه، ويشير بها ليعلم أن قد فجأهم أمر مهم، ثم صار مثلاً لكل ما يخاف مفاجأته. (فالنجاء النجاء) بالمد والهمز فيهما، وبالقصر فيهما، وبمد الأولى وقصر الثانية تخفيفاً، مصدر نجا إذا أسرع، نصب على الإغراء أي الطلبوا النجاء بأن تسرعوا الهرب، إشارة إلى أنهم لا يطيقون مقاومة ذلك الجيش، أو على المصدر أي أنجوا النجاء، وهو الإسراع، كرر للتأكيد (فأطاعه) الإطاعة تتضمن التصديق فيحسن مقابلته بقوله: "كذبت". (فأدلجوا) من الإدلاج بهمزة قطع، أي ساروا أول الليل أو كله (على مهلهم) بفتح الميم والهاء ويسكن، أي بالسكينة والتأني